كارلا في سوريا كلهم أشرار

كارلا: في سوريا كلهم أشرار!

المغرب اليوم -

كارلا في سوريا كلهم أشرار

بقلم - عبد الرحمن الراشد

السيدة كارلا بونتي هي المسؤولة عن لجنة تحقيق مكلفة من الأمم المتحدة في جرائم الحرب بسوريا. بدأت مهمتها منذ بداية الحرب، وأخيراً استسلمت وأعلنت فشلها. رغم نصف مليون ضحية بريئة لم تستطع أن تقدم اسم قاتل واحد للمحاكمة، لهذا تقول إنها محبطة وقدمت استقالتها!

بخروجها لن يتبقى في اللجنة الخماسية سوى عضوين، حيث ذهب كل في طريقه، وتركت أبشع حرب في التاريخ المعاصر بلا حسيب أو رقيب. المسؤولة المستقيلة ولجنتها عجزت عن تفعيل المحاكمة، رغم خبرتها الطويلة، حيث عملت في التحقيق في جرائم يوغوسلافيا ورواندا. وعما شاهدته في سوريا، تقول إنه أعظم بشاعة منها جميعاً!
ومع أننا لا نستطيع سوى أن نشكرها، والفريق الدولي، على مساعيه ومحاولاته، رغم فشله، وندرك أن القوى الدولية منعت الملاحقات والمحاكمات، وليس لأنه لا يرغب أو لا يوجد مجرمون ولا توجد أدلة. فالجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري ما كان لها أن تقع لولا تكالب قوى الشر في العالم عليهم، وتقاعس قوى الخير عنهم. المأساة السورية من عمل هذه القوى والمؤسسات، ولم تكن حرب سوريا مثل يوغوسلافيا؛ شعوب متقاتلة نتيجة سقوط النظام، أو في رواندا حرب قبلية. ما حدث في سوريا جرائم ارتكبها النظام مباشرة ضد التجمعات المدنية في المناطق الثائرة. كانت قواته تتعهد بقصف الأحياء بالقنابل والبراميل المتفجرة والمدافع، لأنه، بحكم ضعف قواته وانشقاقات جنوده وتقليصه لخسائره، لا يستطيع مواجهة المقاتلين مباشرة. المشترك بين سوريا والبوسنة، أن المدنيين استهدفوا بذاتهم من أجل تهجيرهم، وإلغاء أي إمكانية لإقامة سلطة على أي أرض محررة. الفارق بين المأساتين أنه في سوريا فعلها النظام القائم ولا يزال موجوداً، ولم يهب لنجدة المستهدفين سوى القلة.

وتبرر مسؤولة الأمم المتحدة استقالتها، أيضاً، بأن الساحة السورية خلت من الأخيار، ولم يعد يتقاتل فيها سوى الأشرار، وأنهم جميعا مجرمو حرب. وهذا جزئيا صحيح، خصوصا في المرحلة الأخيرة، لكنه تبرير لفشل المنظمة الدولية، ولا يعطيها العذر للتخلي عن واحد من الواجبات الرئيسية التي ألزمت المنظمة الدولية نفسها به. وبدل الانسحاب، والتخلي عن الواجب، لماذا لا تحاكم كل المتورطين، من حكومة ومعارضة، إن وجد بينهم مرتكبو جرائم حرب؟

محاكمة القتلة لا تنقصها الأدلة، فكثير من الجرائم في سوريا موثقة، وببراهين أجمعت عليها مؤسسات دولية معتبرة. «لو حكى الموتى: قتلى ومعذبون في الجرائم الجماعية في مرافق الاحتجاز السورية» هذا عنوان تقرير دولي، جمع قبل ثلاث سنوات، فيه 28 ألف صورة صدمت العالم، أعظم بشاعة من كل ما شاهده العالم في الخمسين سنة الماضية. جميعهم لم يقتلوا في ساحات الحرب بل في أقبية سجون النظام. وجميعها تم تصويرها من قبل النظام السوري نفسه، في سجونه، حيث كان يوثقها سرا للتثبت من أن موظفيه، من مسؤولي التعذيب وآمري الحبس، كانوا يقومون بمهامهم كما طلب منهم! لكن تم تهريبها من قبل أناس لم يستطيعوا السكوت عن تلك الجرائم المخيفة، وهي وثائق دولية معترف بها. وقد تحرت حقيقة الصور والمعلومات منظمات دولية، بعضها يتبع الأمم المتحدة نفسها، وأكدت صحتها. في الثورة السورية لا يوجد عذر للمحققين، توجد جرائم مصورة ومثبتة تكفي لإدانة النظام السوري. وهناك غيرها من الوثائق تدين كذلك بعض المعارضة السورية المتطرفة، تستحق هي الأخرى المحاسبة نفسها.

يصعب عليّ أن أتخيل أن يفلت الفاعلون في الحرب السورية من دون حساب مهما تقلبت مواقف الحكومات وتغيرت حساباتها فيما بينها. لا يوجد عذر لمحاسبة مجرمي الحرب، والذريعة التي تحدثت بها مسؤولة اللجنة المستقيلة بأن المعارضة لم تعد بأفضل من الحكومة ليس مبررا يجيز غض النظر، والهروب من المسؤولية.

والذين يتحدثون اليوم بثقة وسرور عن حل سياسي، ونهاية للحرب السورية، ودفن الماضي؛ واهمون إن كانوا فعلا يصدقون أن ملايين من السوريين يستطيعون العودة إلى منازلهم وينسون، وكأن جرائم السنوات الست الماضية، ونصف المليون قتيل، مجرد مسلسل تلفزيوني يمكنهم أن يناموا بعده. كثيرون في عالمنا لن تغفو لهم عين، ولا يمكن لما حدث أن يغتفر، فقط لأن الحكومات قررت النسيان والغفران، وكافأت القتلة بالمناصب والصلاحيات. ومن سيضع اسمه على اتفاق ظالم كهذا، من معارضة وحكومات، سيكون اسمه ملطخا مثله مثل نظام دمشق وإيران وحلفائهما.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كارلا في سوريا كلهم أشرار كارلا في سوريا كلهم أشرار



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 01:30 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر توضّح أسباب تأخر عرض مسلسل"السر"

GMT 21:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي يحرم الوداد من منحته السنوية

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها

GMT 22:26 2017 الإثنين ,04 أيلول / سبتمبر

وفاة فتاة تحت عجلات قطار الدار البيضاء

GMT 09:19 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

شالكه يحصل على خدمات موهبة مانشستر سيتي رابي ماتوندو

GMT 07:52 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

رحيل الممثل المصري ومغني الأوبرا حسن كامي

GMT 12:58 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

فنانات مغربيات يحققن نجاحًا كبيرًا في بلدان الخليج

GMT 09:47 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

مقتل عارضة الأزياء الشهيرة تارة فارس في بغداد

GMT 22:20 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

العثور على رضيع متخلى عنه في أحد شوارع مدينة وزان

GMT 07:02 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

فوائد العسل الأبيض في نظام الرجيم الغذائي

GMT 08:15 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

عطور الفانيلا لرائحة منعشة تسحر شريك حياتك

GMT 04:57 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

ظهور دولفين مهجن آخر في هاواي
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya