موقف شعبي كبير ضد المتطرفين

موقف شعبي كبير ضد المتطرفين

المغرب اليوم -

موقف شعبي كبير ضد المتطرفين

عبد الرحمن الراشد


ليست صدفة أن في عدد من الدول الغربية، التي ينص دستورها صراحة على حماية حرية التعبير والتحزب، منع النازية استثناء، فكرًا ونشاطًا، ويعاقب فاعله عليه. المسألة ليست نفاقًا، ولا تراجعًا عن الحريات، ولا تقييدًا تمييزيًا. السبب أن النازية فكر قومي فاشي بالغ التطرف يمثل خطرًا مباشرًا على الأمة، وتاريخها الدامي حديث ولا يزال جمرها تحت الرماد. تطرف الأفكار في كل فن لكن لأن تطرف القومية النازية من الخطورة قررت ألا تتحمله، ولا تتسامح معه، أكثر الأنظمة الليبرالية إيمانًا بالحريات.
وعندنا يماثل الفاشية القوميّة الفكر الديني المتطرف، في خطورته وتدميريته. فغالبية المنضوين تحت الحركات الدينية المتطرفة أناس بسطاء مضللون، يؤمنون، عن صدق، بأن في التطرف إعلاء للدين على غيره من الأديان والمذاهب، وإكمالاً لفروضه الواجبة عليهم كمؤمنين. والنازيون كذلك يؤمنون بإعلاء العرق الأبيض على غيره، وأن لهم الحق دائمًا. لقد تسببت النازية في تدمير أوروبا، ومات في حروبها ستون مليون إنسان، وبعد تلك الكارثة أخذت الأغلبية على نفسها ألا تسمح لهذا الفكر المتطرف أن يسود في مجتمعاتها. فأنت تستطيع أن تكون متدينًا ووطنيًا وقوميًا دون أن تلتزم بالقضاء على الآخرين.
نخشى أن نكون في منطقتنا، في بداية طريق الدمار، بسماحنا للمتطرفين أن يفرضوا أجندتهم على المجتمع، ويخيفوا رجال الدين العقلاء، وأن يجتذبوا الانتهازيين من الدعاة طلاب الشعبوية، يستحضرون من التاريخ ثأراته، ومن الدين بمقاييس تناسب دعواتهم. نحن لا نظن بل نرى خطورة المنحدر الذي يجرنا إليه هؤلاء، وما فعله بِنَا تنظيم القاعدة ليس ببعيد. ففي التسعينات، والعقد الأول من القرن الحالي، درس كاف يفترض أن علمنا ألا نسمح له، والتنظيمات الأخرى المماثلة، أن تنشر فكرها، وتجمع شبابها، وتحاول الهيمنة على الساحة مستخدمة شعارات طائفية ومذهبية. ومواجهتها مسؤولية الجميع، برفضها ومحاصرتها. وعلى الحكومات واجبات أساسية، ففي صلب وظيفتها حماية المجتمع المحلي، بل حماية المجتمع الدولي، من شرور الجماعات المتطرّفة عابرة الحدود.
ما يحدث في سوريا والعراق إنجازات المتطرفين، سنة وشيعة، القتل الجماعي، وتشريد لم يحدث مثله في تاريخنا، وتدمير هائل لا يتخيله عقل. ولا نغفل عن حقيقة الاستغلال السياسي من قبل الحكومات لركوب هذه الجماعات للوصول إلى غاياتها، فإن محاربتها ورفضها مسؤولية جماعية، حكومات وأفرادًا.
كيف وصلت ووصلنا إلى هذه المرحلة؟ لقد نجح المتطرفون في خلق صورة مشوشة في أذهان الكثيرين للخلط بين الحق والباطل، وبين الصديق والعدو. وعلى خطوط العرض يحاولون تقسيم السّكان بعد تصنيفهم، الخير والشر، الشيعة والسنة واليزيدية والعرب والأكراد إلى آخر القائمة، حتى عززوا هويات بديلة لهوية الدولة الوطنية، التي يفترض أنها تعلو فوق القبيلة والطائفة والمنطقة، وللجميع فيها نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
في هذا المناخ المسموم من جراء انتشار الأفكار المتطرفة، واتساع رقعة الملتحقين بها، وسكوت معظم الحكومات عنها، صارت الدولة الوطنية هي المهددة بالدرجة الأولى، وليست الجماعات والأقليات كما يظن البعض. فهدم السِّلْم المدني، وشق الصف الاجتماعي، يضرب أولاً عمود الدولة الفقري، كيانها. أما الجماعات المضطهدة فإنها مهما عانت، محاصرة وملاحقة ومشردة، تنجو وتستمر، هكذا عاشت على مر القرون، فيما تسقط الدول.
التطرف الخطر يتمدد، ويحتاج إلى لجم صريح. فلا يجوز أن يسمح لأستاذ في الجامعة، أو داعية في مسجد، أو عامل في وزارة، أن يهاجم ويحرض ضد فئات من المجتمع، فالحكومة هي المسؤولة عن أفعاله، لأنه موظف يعتاش عليها ويستظل في ظلها، خاصة أنها نفسها ترفض أن يُغدر بها، وتُحاسِب من يتعدى عليها. هؤلاء المتطرفون، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، يهدمون البناء من أسفله، وهم أخطر على المجتمع من العدو الخارجي الذي يفشل عندما تكون الصفوف متراصة، وينجح بوجود نزاعات وتشققات داخلية.
وما يجعل الحاجة إلى قانون يجرم العنصرية والطائفية ما رأيناه من مواقف جماعية كبيرة داعمة للوحدة، من عدد من رجال الدين والمثقفين ووجهاء المجتمع، الذين اعتبروا تفجير مسجد شيعي في بلدة القديح في السعودية عدوانًا عليهم جميعًا. كما أن عشرات الكتاب والمفكرين، وعموم أصحاب الضمائر، كتبوا في أكبر حملة تضامن تعرفها السعودية، شجعتهم كلمة الملك خادم الحرمين الصريحة جدًا ضد التطرّف، فأجمعوا على شجبه. وهذه المظاهر القوية التي رأيناها، كذبت ما كان يشيعه المتطرفون عن شعبيتهم وانتشار نفوذهم، أيضًا أكدت أنه يمكن للدولة أن تقود مشروعًا للقضاء على سوسة التطرُف قبل أن تنخر المجتمع من أقوى أركانه، أي الشباب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موقف شعبي كبير ضد المتطرفين موقف شعبي كبير ضد المتطرفين



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya