عبدالعالي حامي الدين
البرلمان المغربي يناقش هذه الأيام مشروع قانون المالية في جولة ثانية داخل مجلس المستشارين. وهو آخر قانون مالي في الولاية الحكومية الحالية، وهو الأول في ولاية مجلس المستشارين.. وهذه إحدى النتائج المترتبة عن تأخير تنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية التي كان من المفروض أن تنظم سنة 2012..
هو أهم قانون في مجال السياسات العمومية وتنفيذ البرنامج الحكومي، ولذلك، فإن مناسبة مناقشته تكون فرصة للوقوف عند الإنجازات الحكومية، وتقييم حصيلتها، وفحص الاختيارات والتوجهات التي تؤطر مشروع القانون المالي وطبيعة النموذج التنموي الذي تندرج في إطاره، ونوعية القراءة التي تقدمها الحكومة للظرفية الاقتصادية، وللتطورات التي تميز المحيط الجهوي والدولي، وتأثيرها بالسلب أو بالإيجاب على الوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد، بالإضافة إلى توقعاتها المستقبلية..
مشروع قانون المالية لهذه السنة يأتي بعد إقرار القانون التنظيمي للمالية الجديد، الذي يعتبر خطوة مهمة في أفق إصلاح المالية العمومية.
الملاحظة اللافتة للمناقشة الجارية في مجلس المستشارين هي استصحاب المسطرة نفسها والخطاب نفسه، بل والعبارات والصيغ نفسها التي تم استهلاكها في مجلس النواب، لذلك يتطلب الأمر فتح نقاش حول الملاءمة المطلوبة من الناحية القانونية والسياسية، بما يسمح بإعادة تموقع مجلس المستشارين كمؤسسة مختلفة بتركيبة جديدة، وباختصاصات جديدة، وبأولويات مختلفة عن مجلس النواب، في أفق برلمان واحد لغرفتين، تشتغلان بمنطق التكامل والتعاون، وليس التنافس والتكرار.
وبغض النظر عن هذه الملاحظة التي تفرض نفسها، فإن النقاش داخل لجنة المالية وباقي لجان المجلس لم يخل من فائدة، ومن حوار سياسي مهم توزع بين من يعترف بنجاح الحكومة في مباشرة مجموعة من الإصلاحات المهمة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي في ظرفية سياسية واقتصادية صعبة، وبين خطاب عدمي تبخيسي لا يرى في توجهات الحكومة واختياراتها سوى إجراءات شكلية لإثقال كاهل الفقراء، وهناك خطاب آخر يتموقع كخط ثالث وكمعارضة وطنية تعترف بالإنجازات وتنبه للاختلالات، وهي حريصة على إبراز استقلاليتها عن خط التحكم الذي أساء لهذه المعارضة خلال السنوات الأربع السابقة.
موضوعيا، الحصيلة التشريعية المرتبطة بتفعيل مقتضيات الدستور، حصيلة تبقى معتبرة، حيث تمت المصادقة على 13 من القوانين التنظيمية، إذ تمت إحالة أربعة قوانين تنظيمية على البرلمان، بينما بقيت أربعة مشاريع قوانين تنظيمية في طور الإعداد، بعضها ينتظر منذ سنة 1962 وليس فقط، منذ 2011، كما هو حال القانون التنظيمي للإضراب. ومع ذلك، فإن هذه الحكومة لابد أن تربح تحدي استكمال إعداد وإصدار مشاريع القوانين التنظيمية وإحالتها وفق الآجال المحددة في الفصل 86 من الدستور، كما أن البرلمان بغرفتيه مطالب بالتفاعل الجدي في إطار مبادئ الدستور، ولاسيما التعاون مع السلطة التنفيذية، في إطار التوازن والتكامل بين مجلس النواب، ومجلس المستشارين، مع مراعاة جودة المنتوج التشريعي، والمسؤولية ملقاة بصفة خاصة على مجلس المستشارين بتركيبته الدستورية الجديدة الذي ينبغي أن يمثل إضافة نوعية في هذا الباب.
كما يبرز تحدي استكمال إحداث المؤسسات الدستورية سواء تعلق الأمر بمؤسسات دستورية جديدة، أو تعلق الأمر ببعض المؤسسات التي كانت موجودة وتمت دسترتها، دون أن ننسى تحدي العمل من أجل الإعداد الجيد لتنظيم استحقاقات تشريعية تستجيب لتطلعات المجتمع المغربي، وتجسد إرادته التي عبر عنها من خلال التصويت الحر على المؤسسات والاختيارات، واستخلاص الدروس من انتخابات 4 شتنبر، ومواصلة مراكمة المكتسبات التي تحققت خلال هذه الانتخابات.