بين الاقتصاد والسياسة

بين الاقتصاد والسياسة

المغرب اليوم -

بين الاقتصاد والسياسة

بقلم : عبد العالي حامي الدين

العلاقة بين الاقتصاد والسياسة علاقة وثيقة، والكثير من الصراعات السياسية تخفي وراءها مصالح اقتصادية كبرى، كما أن الكثير من التحليلات الاقتصادية تخضع لخلفية سياسية غير بريئة، وتزداد هذه العلاقة تعقيدا والتباسا حينما يكون الفاعل السياسي فاعلا اقتصاديا في الوقت ذاته، أو متحكّما في الفاعل الاقتصادي.
في مثل هذه الحالة تتم الإساءة للاقتصاد وللسياسة معا، فلا الاقتصاد يمكن أن يتطور في بيئة تنعدم فيها شروط الحرية والمنافسة الاقتصادية، ولا السياسة يمكن أن تتطور بسبب هيمنة المال على الشأن السياسي، وقديما حذر ابن خلدون من الجاه المفيد للمال..
مناسبة هذا المقال، هو التواطؤ المفاجئ للكثير من التحليلات على تبخيس الأداء الاقتصادي لهذه الحكومة في توقيت مدروس ونحن على أبواب أربعة أشهر من الانتخابات التشريعية.
هذه التحليلات تتجاهل عن قصد الظرفية السياسية والاقتصادية التي جاءت بهذه الحكومة، والتي كانت مطبوعة من جهة باحتجاجات الشارع التي انطلقت سنة 2011 واستمرت سنة كاملة. ومن جهة أخرى، بالاختلالات الكبيرة للتوازنات الماكرو- اقتصادية مع نهاية 2011، خاصة ارتفاع عجز الميزانية الذي بلغ 7,3% من الناتج الداخلي الخام وتفاقم عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات الذي فاق 9% من الناتج الداخلي الخام، ناهيك عن الكلفة المالية للحوار الاجتماعي ومستلزمات تطويق الاحتجاجات السياسية والاجتماعية.
الآن، وبعد مرور أربع سنوات، تؤكد الأرقام الرسمية التي تكشف عنها التقارير الوطنية مثل تقرير بنك المغرب والتقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات وتقارير المندوبية السامية للتخطيط، بالإضافة إلى التقارير الدولية، تحسن المؤشرات الكبرى للاقتصاد المغربي. بحيث احتل المغرب في تقرير البنك الدولي السنوي حول ممارسة الأعمال (Doing Business) في التقرير الأخير الذي نشر بتاريخ 27 أكتوبر 2015 المرتبة 75 من أصل 189 بلدا، متقدما بذلك بـ 22 مرتبة بين سنتي 2012 و2016، ويحتل المغرب المرتبة 6 على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أن التوازنات الماكروـ اقتصادية تحسنت بشكل كبير، خصوصا بعد القرار الشجاع بمباشرة إصلاح نظام المقاصة المتمثل في رفع الدعم عن المنتجات البترولية بشكل تدريجي، وتقليص الكلفة الإجمالية للدعم من 56,5 مليار درهم سنة 2012 إلى 14,1 مليار سنة 2016، ما مكن من تخفيض عجز الميزانية وتوفير موارد مالية إضافية لتنفيذ عمليات لفائدة السكان الأكثر فقرا والمناطق الأقل حظا.
لا أريد الاستطراد في استعراض الحصيلة الاقتصادية الإيجابية لهذه الحكومة فهي معروفة لدى كل مراقب موضوعي، ولكن ما أريد التركيز عليه هو ضرورة الاعتراف بأن جزءا كبيرا من الأسباب العميقة للمشاكل الاقتصادية في بلادنا، مرتبط بدرجة أساسية بنموذج تنموي قائم جرى اعتماده من طرف الحكومات المتعاقبة منذ بناء دولة ما بعد الاستعمار.
إن وضعية الاقتصاد الوطني لا يمكن فصلها عن النموذج السياسي المتبع، فالحالة الاقتصادية هي نتيجة لاستمرار نموذج تسلطي، يسمح بالتداخل بين النخب الحاكمة وبين عالم المال والأعمال في إطار شكلي لليبرالية الاقتصادية، ويعتمد على شركاء اقتصاديين تقليديين يراعون مصالحهم بالدرجة الأولى، ويبسط آلياته التحكمية على عالم المال والأعمال.
إن ما وصلنا إليه قبل أربع سنوات من فقر مدقع وسيادة اقتصاد الريع وتدني الإنتاجية وتشوهات توزيع الناتج الوطني وتزايد حجم الفئات الاجتماعية المهمشة والفقيرة على حساب الفئات الوسطى، والنمو المفرط لمدن الصفيح والبناء العشوائي واتساع دائرة الاقتصاد غير المهيكل، وانتشار البطالة، وتزايد التفاوت الاجتماعي بين الفئات المحظوظة والفئات الاجتماعية المسحوقة، كل هذه المظاهر تعكس الخلل البنيوي الحاصل في رسم سياسات التنمية في المغرب، وهي السياسات التي كانت تسهر عليها نخب متحكمة من الأعلى لا علاقة لها بهذه الحكومة، هذه الأخيرة التي جاءت بها الأزمة ولم تكن هي السبب فيها كما قال بنكيران يوما ما..
وبكلمة، إن لم تكن هناك الجرأة من طرف البعض للاعتراف بما أقدمت عليه هذه الحكومة من إصلاحات انعكست بشكل إيجابي على المالية العمومية، وعلى الاستثمار الخارجي وارتفاع معدل السيولة ونسبة العجز، فعلى الأقل ينبغي احترام ذكاء المواطن مع شيء من الحياء يرحمكم الله..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الاقتصاد والسياسة بين الاقتصاد والسياسة



GMT 00:07 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

المغرب والجزائر.. واتحاد المغرب العربي

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 05:51 2018 الجمعة ,06 إبريل / نيسان

قضية الصحراء والمنعطفات الخطيرة

GMT 00:05 2018 الجمعة ,30 آذار/ مارس

ماذا تبقى من تجربة التناوب؟

GMT 08:15 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

قضية بوعشرين.. البراءة هي الأصل

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya