عبد العلي حامي الدين
الكثير من التساؤلات أثيرت حول الدلالات السياسية لإمامة الجمعة للشيخ الفيزازي أمام الملك محمد السادس، وتوقف العديد من المراقبين عند الإشارات السياسية لصلاة الجمعة وراء شيخ سلفي محكوم بثلاثين سنة سجنا نافذة بتهمة مساندة الإرهاب، قضى منها تسع سنوات قبل أن يخرج من السجن بعفو ملكي..
ليس هناك شك في أن خطبة الفيزازي أمام الملك محمد السادس لم تكن نبتة حائطية، ولا قرارا عفويا بدون سابق تفكير، والأبعاد السياسية لهذه القرار المفكر فيه تبدو واضحة وهي: أن الملك محمد السادس ليس له مشكل مع الاتجاهات السلفية التي راجعت بعض مواقفها الفكرية والسياسية، وأصبحت على غرار الفيزازي..ومعلوم أن الشيخ محمد من محمد الفيزازي وهو معتقل سابق قضى تسع سنوات على خلفية تصريحات اعتبرت بمثابة تأييد للإرهاب، سبق له أن عبر عن مراجعات عديدة تتعلق بنبذ العنف وتصحيح مفهوم الجهاد بالإضافة إلى الموقف
من النظام الملكي ومن إمارة المؤمنين ومن الانتخابات والعمل السياسي في إطار الديموقراطية الحديثة..
وقد سبق له أن استفاد من عفو ملكي إلى جانب كل من عبد الوهاب رفيقي أبو حفص وحسن الكتاني وعمر الحدوشي..
الأبعاد السياسية لهذه الخطوة تعني أن الدولة ليس لها مشكل مع أمثال الشيخ محمد بن محمد الفيزازي وهي مستعدة لفتح صفحة جديدة معهم..
بدون شك هناك وعي عميق داخل العديد من المسؤولين بأن أخطاء عديدة ارتكبت في حق أبناء هذا التيار، وآن الأوان لبداية صفحة المصالحة معهم..
أرضية المصالحة ينبغي أن تستند إلى الاعتراف الواضح بالانتهاكات، وقد سبق للدولة أن عبرت بأن هذا الملف شابته بعض التجاوزات، لكن عليها أن تستند أيضا على نبذ العنف والاستعداد للاندماج الإيجابي في المجتمع..
علينا أن ننتبه بأن التحولات الجارية في العالم العربي كشفت عن لاعب جديد في الساحة السياسية هو الفاعل السلفي بتعبيراته المختلفة..
غير أن التيار الأكثر إثارة للقلق هو تيار االسلفية الجهاديةب الذي ينقسم بدوره إلى عدة تيارات، وهو ما يستدعي إبداع نوع من الذكاء الجماعي من أجل بلورة رؤية عميقة تحاول فهم الأسباب العميقة لبروز الحالة السلفية، وتعمل على تأطيرها ضمن مقاربة استباقية قابلة للاستثمار على المستوى الاجتماعي والسياسي..
التيار السلفي جزء من الحالة الإسلامية في العالم العربي، ومن هنا ضرورة الاعتراف به كظاهرة اجتماعية وسياسية، يمكن أن تمثل خطورة كبيرة إذا انزلقت بعض مفرداتها إلى العنف كاختيار منهجي..
في المغرب وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وعلى إثر التفجيرات الإرهابية الأليمة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء ليلة 16 ايار/مايو 2003، ومنذ ذلك التاريخ ألقي القبض على عدد كبير من المحسوبين على التيار السلفي بالمغرب، ولازال حوالي 600 منهم رهن الاعتقال.
وقد أثارت ظروف محاكماتهم واعتقالهم انتباه العديد من التقارير الحقوقية والدولية ولازالت العديد من الملاحظات تثار إلى اليوم..
من خلال الإشارة الملكية الأخيرة يبدو بأن الكرة الآن في يد السلفيين للتعبير عن مواقف واضحة اتجاه النظام الملكي وعن إرادة العيش المشترك تحت سقف واحد مع الاعتراف بالتعددية الفكرية والسياسية وعدم الانزلاق إلى تكفير الآخر المختلف..
إذا ظهر بأن هناك إشارة من طرف هذا التيار عن طريق البيان الواضح الذي لاغبار عليه، فإن المطلوب أن ترد الدولة التحية بأحسن منها وأن تشرع في مصالحة تاريخية لنزع فتيل التوتر والمواجهة مع هذا التيار..
لقد سبق لبعض الجمعيات الحقوقية أن أطلقت مبادرة تشاورية حول هذا الملف، في محاولة لإيجاد تسوية شاملة ومتعددة المستويات ومتوافق عليها بخصوص السلفيين المعتقلين في إطار قانون مكافحة الإرهاب، وهي تسوية ينبغي أن تكون تتويجا لمسار تشاوري بين مختلف الفاعلين المعنيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بتدبير هذا الملف، على مستوى الدولة من وزارات ومؤسسات وطنية ذات صلة بالملف، وعلى مستوى الفاعلين بالأحزاب السياسية، والهيئات العاملة في مجال حقوق الإنسان والحكامة السياسية، وكذلك على مستوى التيار السلفي، من سلفيين شيوخ وتعبيرات وممثلي المعتقلين ضمن هذا التيار.
تهدف هذه المبادرة، إلى التدرج في إعمال مقاربتها من خلال أربعة مستويات وهي:
تطبيع باقي المعتقلين على مستوى وضعيتهم بالسجن، بالحقوق والواجبات كما هي متعارف عليها في القانون وفي المعايير الدولية ذات الصلة وإعمال مبدأ التأهيل الاجتماعي والمصالحة، مع المعتقلين السلفيين المفرج عنهم.. وتوفير الدعم في اتجاه الاندماج في الحياة العامة والعمل على التأسيس لسياسة تصالحية لتصحيح الوضع المتوتر بين الأطراف ذات الصلة بهذا بالملف؛ والعمل على إطلاق سراح معتقلي السلفية ممن لم يتورط في العنف وفي جرائم الدم..
الإشارة الملكية الأخيرة تعني أن المقاربة التصالحية، هي مقاربة ممكنة وهي قادرة على امتصاص التوترات والتقاطبات الحادة التي تحيط بهذا الملف وإعطاء كل ذي حق حقه بدون إفراط أو تفريط…
العارفون بالخريطة الفكرية للتيارات السلفية والتمايزات القائمة بينها، يدركون جيدا أن قلة منهم صرحت ومازالت متشبتة بمواقفها المؤمنة بالعنف ضد الدولة ومؤسساتها، وهناك فئة أخرى أقدمت على مراجعات داخل السجن وقامت بتدقيق العديد من مواقفها التي تهم الدولة والمجتمع، وهناك فئة ثالثة ذهبت ضحية الصدمة التي أصابت المجتمع والدولة، واعتقلت بطريقة عشوائية.
المشكلة التي تطرح بالنسبة للتيار السلفي عموما، ليست مرتبطة بمعالجة مخلفات 16 ايار/مايو وما بعدها، ولكن هناك مشكلة أكبر ترتبط بالحاجة إلى إدماج الحالة السلفية بتعبيراتها المختلفة في الحياة العامة، وتجاوز النظرة النمطية التي يروج لها البعض ويصنفها كمجموعات اغريبةب غير قابلة للاحتضان داخل فضاء للعيش المشترك..
وذلك تطرف من نوع آخر، آن الأوان لتبديده بعد الإشارة الملكية الأخيرة..