عبد العالي حامي الدين
هل بإمكان الاستفتاء الدستوري الأخير أن ينقل مصر إلى واقع الاستقرار السياسي كما يعتقد البعض؟ الظروف العامة التي أحاطت بالاستفتاء تقول العكس والمعطيات المتوفرة تؤكد أن المسلسل المصري لن تكون نهايته كما يريد من ساهموا في إخراج هذا المسلسل..كيف ذلك؟
هل بإمكان الاستفتاء الدستوري الأخير أن ينقل مصر إلى واقع الاستقرار السياسي كما يعتقد البعض؟ الظروف العامة التي أحاطت بالاستفتاء تقول العكس والمعطيات المتوفرة تؤكد أن المسلسل المصري لن تكون نهايته كما يريد من ساهموا في إخراج هذا المسلسل..كيف ذلك؟
لحظة الاستفتاء على الدستور في الدول التي تمتلك إرادة التحول الديموقراطي الحقيقي هي لحظة تكريس الإجماع أو ما يشبه الإجماع على أسمى وثيقة قانونية في البلاد، وفي أسوء الحالات هي لحظة التعبير عن الاختلاف بطريقة حضارية تؤمن بتعدد الآراء واختلاف وجهات النظر..
الانفراد الذي سجلته السلطات الحاكمة في مصر هو سعيها الحثيث إلى فرض صوت واحد هو الصوت الداعي إلى "نعم" بكل الطرق الممكنة، ومنع كل صوت آخر..
وباستثناء الصحافة الإليكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد تجندت وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية إلى الترويج والدعاية للدستور الجديد وللدعاية للرجل القوي في نفس الوقت..
الأجواء التي خيمت على الاستفتاء الأخير تميزت بمقاطعة قوى سياسية أساسية ومتنوعة من بينها "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب"، إضافة إلى جماعة "الإخوان المسلمين" و"الاشتراكيون الثوريون" وحركة "6 أبريل" و"الجماعة الإسلامية" وحزب "مصر القوية"..
كما نشطت الفعاليات المناهضة للاستفتاء في تنظيم عدد من المسيرات في أنحاء متفرقة من المدن والقرى المصرية لدعوة المواطنين إلى مقاطعة الاستفتاء، تصدت لها قوات الأمن بالقوة مما أسفر عن سقوط 11 قتيلا وجرح العشرات واعتقال المئات من المواطنين..
الملاحظة الثانية التي طبعت الاستفتاء الأخير بالإضافة إلى ملمح العنف، هو ضعف نسبة المشاركة، وخاصة مشاركة الشباب، وبغض النظر عن الخطاب الدعائي الذي تروجه السلطات الحاكمة فإنه من المؤكد أن نسبة التصويت لم تتجاوز 15% في الخارج..
أما في الداخل فقد أصدر المرصد العربى للحقوق والحريات تقريراً بنسب المشاركة فى المحافظات المصرية بناءاً على محاضر الحضور فى اللجان وتوثيق الحقوقيين والمراقبين المحليين والدوليين والتى وصلت كمتوسط نسبى إلى 11.03% كنسبة مشاركة عامة فى المحافظات المصرية، وتراوحت بين 3 % و13 %، في حين أن نسبة المشاركة على دستور 2012 سجلت نسبة مشاركة بلغت 32.9% كمتوسط عام، وهو ما يعني حسب العديد من المراقبين أن الاستفتاء الأخير هو تأكيد لشرعية الرئيس مرسي..
طبعا، التضارب في نسبة المشاركة يعكس حالة الاستقطاب التي تعيشها البلاد منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي يوم 3 يوليو/تموز الماضي، ولا يتصور بأن الاستفتاء الأخير سيوقف دوامة التمزق التي تغذيها خطابات إعلامية إقصائية..
الملاحظة الثالثة في الاستفتاء الأخير هو التناغم الحاصل في خطاب حزب النور السلفي مع خطاب الكنيسة القبطية المساندة للانقلاب، فقد اختفت جميع الاختلافات الإيديولوجية بشكل عجيب، وقبل حزب النور السلفي بما كان يرفضه في السابق، واستمات في الدفاع عن الصيغة الدستورية الجديدة التي سجلت تراجعا واضحا عن موقع الإسلام في الحياة العامة بالمقارنة مع دستور 2012 الذي سبق له أن هدد برفضه آنذاك..
في العمق، مثل هذا التمرين ـ بغض النظر عن طبيعته الإقصائيةـ فإنه يساهم في تثبيت روح الديموقراطية وينزع عنها أي لبوس ديني، ويساهم في بناء ولاءات سياسية حقيقية بعيدة عن التمترس وراء مسلمات دينية أو طائفية، ويرسم حدودا واضحة بين الدين والسياسة في نهاية المطاف..
إن الالتقاء في المرجعية الدينية لا يعني بالضرورة الالتقاء في المسلكيات السياسية، وهذا هو الدرس الكبير الذي كشف عنه دستور الحريف المصري..