عبد العالي حامي الدين
ما يحصل في مصر هو انقلاب عسكري حقيقي لا غبار عليه، انقلاب تم بإرادة إقليمية ودولية، وجرى تنفيذه بأدوات داخلية..الجيش قام بتعطيل الدستور وأغلق القنوات الفضائية المخالفة له في الرأي، وشرع في اعتقال القيادات السياسية المؤيدة للشرعية، ووضع الرئيس المنتخب رهن الإقامة الجبرية في وزارة الدفاع، وزج برئيس الحكومة في السجن، وجاء برئيس جديد بناء على قرار عسكري، واتخذ قرارا بتشميع المقرات الرئيسية لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين..
يوما بعد يوم تكشف تطورات الأحداث في مصر الكنانة أننا أمام انقلاب عسكري حقيقي، بحيث لم يعد الجيش يطيق حجم الاحتجاجات المليونية المطالبة بعودة الرئيس وشرع في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين..
فلأول مرة يتم استهداف مدنيين عزل بإطلاق الرصاص على ظهورهم وهم يؤدون صلاة الفجر في الشارع العام..
ليس هناك توصيف آخر لما حصل في مصر سوى وصف: "الانقلاب العسكري على الديموقراطية" والرجوع بالبلاد إلى الوراء...
الجديد هذه المرة هو أن هذا الانقلاب جاء مدعوما من طرف قوى مدنية محسوبة على الصف الديموقراطي والليبرالي، أعماها العداء الإيديولوجي لفكر الإخوان وسقطت في فخ الجيش الراعي الأول لمصالح القوى الكبرى في المنطقة..
إنها "الديموقراطية العسكرية"، وهو مفهوم جديد بدأ يتبلور في الساحة الإعلامية والسياسية المصرية ويعبر عن نفسه بوضوح في كتابات العديد من المثقفين والسياسيين المؤيدين لإسقاط الرئيس مرسي والرافضين لتسمية هذه الخطوة بالانقلاب العسكري..
القوى الأساسية في مصر ومن ورائها ملايين المتظاهرين غاضبة من المؤامرة التي تعرض لها الرئيس المغدور ، والبلاد تعيش على حافة فوضى عارمة تعيد التذكير بالمشهد الجزائري غداة الانقلاب على انتخابات 1991 التي فازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية بالأغلبية الساحقة..
ورغم التعتيم الإعلامي الممنهج الذي تتعرض له مظاهرات الغضب التي تجتاح مناطق عديدة في مصر، فإن ثورة الاتصالات والتكنولوجيات الحديثة تمكن المراقبين من رصد ما يقع بدقة متناهية، وسط صمت رهيب لدعاة الحرية والحداثة والليبرالية التي انخرط بعضها لتبرير هذه التراجعات بدون خجل ولا حياء..
من المؤسف أن بعض القوى السياسية لم تحسن قراءة المرحلة السياسية الراهنة من منظور تاريخي، طبعا أقصد القوى السياسية الليبرالية والعلمانية واليسارية الداخلية، أما القوى الخارجية ، إقليمية كانت أو دولية، فإنها تدرك جيدا ماذا يعني تأصيل الديموقراطية في العالم العربي ولذلك فإنها ستسعى لإفشالها بجميع الوسائل الممكنة لاعتبارات مرتبطة بمصالحها الاستراتيجية بالدرجة الأولى..
ما يحصل في مصر هو نتيجة لمخطط تراجعي يهم المنطقة العربية بأكملها وخاصة الدول التي تفاعلت إيجابا مع الربيع العربي..وأتصور بأن ما شهدته بلادنا من تطورات في الأيام القليلة الماضية من محاولات لزعزعة استقرار الحكومة والعمل على إضعاف الحزب الذي يقودها (العدالة والتنمية)، تندرج في هذا المخطط الذي جرى الإعداد له بدقة متناهية...والأيام القليلة القادمة كفيلة بتوضيح الصورة أكثر..
ولذلك فإن المهمة التاريخية الملقاة على عاتق الإسلاميين اليوم هي الصمود للدفاع عن الديموقراطية، سواء في بلدان الثورات أو في البلدان التي عرفت إصلاحات في ظل الأنظمة السياسية القائمة، المهمة الأساسية اليوم هي النضال من أجل ترسيخ قواعد التداول الديموقراطي على الحكم، وإرجاع السلطة إلى منطق الإرادة الشعبية، وحماية مكتسبات الشعوب في الحرية والكرامة ومناهضة الفساد والاستبداد، مع الحذر الشديد من الوقوع في ردود أفعال عنيفة غير محسوبة العواقب..والإيمان العميق بأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وأنه مهما بلغت ظلمة الليل سينبلج نور الفجر...
"ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين" صدق الله العظيم.