بقلم : عبد العالي حامي الدين
يبدو بأن الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون أصعب انتخابات في تاريخ المغرب، فكيفما كانت نوعية النتائج التي ستفرزها، فستحمل معها فرزا واضحا بين معسكر الإصلاح الديمقراطي ومعسكر التحكم. شياطين التحكم أبدعوا مقولة ماكرة، مفادها أن حزب العدالة والتنمية يخطط للاستفراد بالسلطة عبر تحقيق الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية المقبلة، بعدما نجح في رئاسة أهم المدن..
اليوم، هناك محاولات حثيثة في مختلف امتدادات النهج التحكمي لتصوير حزب العدالة والتنمية وكأنه حزب مهيمن يريد القضاء على الأحزاب السياسية، وتكريس الواقع العملي للحزب الوحيد..!!
هذه المقولة المخادعة تُكذِّبها المعطيات الموضوعية، ويكذبها الأداء اليومي لحزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه:
أولا، تؤكد أدبيات الحزب منذ اليوم الأول على ترسيخ فكرة أساسية مفادها أن الحزب يريد الإسهام في الإصلاح، ولا يدعي أن بإمكانه تحقيق الأهداف المرتبطة بالديمقراطية وبالتنمية لوحده؛
ثانيا، إن الدستور المغربي رغم التقدم الذي عرفه في مجال توزيع السلطة وتوسيع الصلاحيات التنفيذية للحكومة، فإنه حافظ للمؤسسة الملكية على صلاحيات واسعة في العديد من المجالات الحيوية والاستراتيجية، سواء من خلال المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك، أو من خلال الصلاحيات التي يمارسها الملك بصفته أميرا للمؤمنين، أو بصفته رئيسا للدولة وباعتباره القائد الأعلى للجيش ورئيسا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وغيرها من الصلاحيات التحكيمية والسيادية والدبلوماسية، وهي كلها اختصاصات تُفنّد أطروحة الحزب المهيمن، وتجعل ممارسة أي حزب للسلطة تتم تحت سقف واضح، يمنع أي تغول أو استفراد بممارستها..
ثالثا، إن النظام الانتخابي المغربي، القائم على أساس نمط الاقتراع اللائحي بأكبر البقايا، يمنع حصول أي حزب سياسي على الأغلبية المطلقة، ويفتح المجال لمختلف الأحزاب السياسية للتعبير عن نفسها داخل المؤسسات (16 حزبا ممثلا في مجلس النواب الحالي)، وقد قبل حزب العدالة والتنمية بتخفيض العتبة إلى 3 ٪ في الانتخابات المقبلة، لبعث إشارة قوية للجميع بأنه لا يطمح للهيمنة على التمثيل الحزبي.
كل هذه الاعتبارات تفند إذن، أطروحة الحزب المهيمن وتفند مرتكزاتها، وعلى دعاة هذه المقولة أن يكفوا عن الترويج لها في الأوساط السياسية والاقتصادية، ومحاولة ترهيب الأعيان ورجال الأعمال وتخويفهم من أجل توظيفهم في المشروع التحكمي (الهيمني بحق).
لكن بقي سؤال أخير يحتاج إلى جواب: إذا نجح حزب سياسي جاد في الحصول على الرتبة الأولى في الانتخابات بفارق كبير من المقاعد، هل يعني ذلك أنه حزب مهيمن؟ وفي حال أكدت المعطيات الموضوعية واستطلاعات الرأي تصدره للمشهد الحزبي، فماذا يُسمى اللجوء إلى أساليب التحكم وضخ المنشطات في الحزب الاصطناعي والتدخل الخشن للحد من نجاحه؟ أليس هذا هو عين الفساد والاستبداد؟