بقلم : عبد العالي حامي الدين
القانون الأسمى في الدولة “الدستور”، وهو الذي يحدد قواعد العملية السياسية، أو بتعبير آخر هو الذي يحدد القواعد التي يعتمد عليها المجتمع ليفهم من يتخذ القرار؟ وكيف يتخذ القرار؟ وكيف تتوزع السلطات؟
هذه القواعد لا تكون دائما واضحة، ويحتاج المجتمع إلى من ينير له طريق الفهم في إطار القواعد التي تحترم ذكاءه وتحترم كرامته أيضا.
قواعد العملية السياسية قد تكون صريحة وقد تكون ضمنية، قد تكون نتيجة شكل من أشكال التوافق بين أفراد المجتمع والقوى الفاعلة فيه، وقد تكون نتاج الأمر الواقع.
وإذا كانت نتيجة الأمر الواقع، فينبغي أن يحصل التوافق حولها بشكل حقيقي حتى تستقر في الضمير الجمعي لأفراد المجتمع بشكل لا يقبل الارتداد أو النكوص.
وهذه المهمة ينبغي أن يساهم فيها الجميع، وخاصة أصحاب الرأي من ذوي الاختصاص، الذين ينبغي أن يكونوا أحرص الناس على احترام روح الدستور وشكلياته..
لا أريد أن أعلق على بعض “الآراء” الغريبة لبعض الزملاء الذين أخذوا على عاتقهم مهمة التنظير للخروج من “إكراهات” تشكيل الحكومة الجديدة، ولكن لابد من تسجيل ملاحظة كبيرة لا تخلو من حسرة ممزوجة بالإحباط من نخبة تفتقر إلى الثقافة الديمقراطية وتسجل تخلفها الكبير عن واجب المرحلة.
لكن، من الواجب القول بأن الدستور واضح في ربط موقع رئاسة الحكومة بأصوات المواطنين، ولا يمكن أن نبحث عن حلول سهلة بالدوس على هذه القاعدة المركزية في النظام الدستوري. بل وصل الأمر ببعضهم إلى الدعوة بصراحة إلى الانقلاب على نتائج الانتخابات من خلال إقحام بعض التأويلات المتعسفة للفصل 42 من الدستور، وللمهام العظمى الملقاة على عاتق الملك باعتباره رئيسا للدولة، في تجاهل تام للإرادة المعبر عنها من السلطة العليا في البلاد بأن الاختيار الديمقراطي هو خيار دستوري لا رجعة فيه، وفي تجاهل مقصود للفقرة الثالثة من الفصل نفسه، التي تؤكد بأن الملك: “يمارس هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور”….
في اعتقادي الشخصي، إن مسلسل تشكيل الحكومة في ظل نظام انتخابي يكرس البلقنة ولا يسمح بترجمة الأصوات إلى مقاعد بالعدالة اللازمة، وفي ظل منظومة حزبية تمتح من ثقافة ما قبل دستور2011، سيتطلب زمنا سياسيا معينا، قد يطول وقد يقصر حسب نجاح الأطراف المعنية في بناء التوافقات المطلوبة وتجاوز هذه الصعوبات، وهي صعوبات سياسية بطبيعتها، والمخرج منها لا يمكن أن يكون إلا سياسيا، بعيدا عن أي تأويلات “دستورية” متعسفة، وفي احترام تام للإرادة المعبر عنها في انتخابات السابع من أكتوبر، وفي تكريس حتمي لثقافة التوافق الحقيقي الذي يستحضر التحولات الاجتماعية والسياسية، ويستحضر الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بِنَا، ويستحضر كرامة المواطن المغربي أولا وأخيرا..