مع بوستة

مع بوستة

المغرب اليوم -

مع بوستة

بقلم : عبد العالي حامي الدين

نهاية الأسبوع المنصرم ودعنا مولاي امحمد بوستة عن عمر يناهز 94 عاما، وبوفاته فقد المغرب رجلا من طينة القادة السياسيين الكبار، الذين تَرَكُوا بصماتهم في الكثير من المحطات المفصلية في تاريخ المغرب المعاصر..

اشتهر كثيرا بموقفه الرافض لتولي منصب الوزير الأول في حكومة يوجد بها إدريس البصري، وزير الدولة القوي في الداخلية آنذاك، فضلا عن ذلك كان رجل دولة بامتياز، إذ تولى المسؤولية العمومية في العديد من القطاعات المهمة: في الخارجية والعدل والوظيفة العمومية، كما قاد حزب الاستقلال بعد وفاة الزعيم علال الفاسي..

لم يتردد سنة 2000 في ترؤس لجنة إصلاح مدونة الأحوال الشخصية بعد الانقسام المجتمعي الذي عرفته البلاد، ونجح بحكمته وذكائه في بناء توافق تاريخي انتهى إلى حسم واحد من الإصلاحات الكبرى في عهد محمد السادس، بعدما تعثرت اللجنة الأولى التي كان يرأسها إدريس الضحاك، إذ لم تنجح في استكمال مهمتها.

تعرفت عليه بشكل مباشر سنة 2002، عندما قرر “منتدى 21 للحوار والتنمية” الذي كنت عضوا في مكتبه التنفيذي، والذي كان يرأسه أستاذنا محمد تاج الدين الحسيني، أن يستضيف فقيدنا ليفتتح ندوة كبيرة حول موضوع حساس يتعلق بـ”الأمم المتحدة وقضية الصحراء”، دافع في كلمته بحماس على ضرورة اعتماد نظام للحكم الذاتي بالمناطق الجنوبية، واعتبره نظاما متطابقا مع نظام الجهوية المعتمد بالمغرب، خصوصا إذا أدخلت عليه إصلاحات جديدة.

خلال هذا اللقاء شاركت بمداخلة تحليلية حول: “السلطة التشريعية والتنفيذية في ورقة اتفاق الإطار”، التي وضعها المبعوث الأممي آنذاك جيمس بيكر، وكم كانت سعادتي غامرة وأنا أسمع تعليق السي بوستة الذي كان يترأس الجلسة وهو يثني على مداخلتي..

بعدها ببضعة أسابيع تلقيت دعوة من مؤسسة علال الفاسي تدعوني للمشاركة في ندوة علمية حول آفاق النظام الجهوي بالمغرب، عرفت فيما بعد أنها كانت بتوصية من المرحوم امحمد بوستة.

وبالفعل كانت ندوة متميزة ترأسها الراحل امحمد بوستة بنشاط وحيوية تثير الدهشة بالنسبة إلى رجل في مثل سنه، وكانت أساريره تنفرج كلما سمع انتقادا للنظام الجهوي القائم آنذاك، ودعوة صريحة لتطوير هذا النظام ليقترب من النماذج الناجحة في العالم، بل كان المرحوم يؤمن بالجهوية المتقدمة كمدخل أساسي من مداخل تطوير النظام الديمقراطي بالمغرب، وهو ما استنتجته من خلال العديد من النقاشات الثنائية التي جمعتني بالفقيد..

في سنة 2005 حصلت على جائزة علال الفاسي الفكرية، فكانت مناسبة توطدت فيها علاقتي بالمرحوم، إذ أصبحت صديقا دائما للمؤسسة، التي كانت ولازالت فضاءً للحفاظ على تراث المرحوم علال الفاسي، فضلا عن إثارة الكثير من النقاشات الرصينة حول قضايا الفكر والسياسة والاقتصاد والاجتماع..

كنت أتصل به من حين لآخر لتدقيق بعض المعطيات التاريخية، خصوصا منها تلك التي ترتبط بحزب الاستقلال..

في إحدى المرات اتصلت به، للتأكد من واقعة لم تكن معروفة لدى الكثيرين، وهي مدى صحة ذهابه للدفاع عن سيد قطب أمام القضاء المصري بعدما قرر جمال عبد الناصر إعدامه، وبالفعل أكد لي أنه ذهب رفقة المرحوم عبد المجيد بنجلون إلى القاهرة عن طريق بيروت، وفيها وصلهما خبر إعدام سيد قطب فرجعا إلى المغرب بتعليمات من علال الفاسي، رحمه الله، الذي قرر طباعة كتاب “معالم في الطريق” في مطابع الرسالة بالرباط، بعدما كان ممنوعا في القاهرة، وكتب رثاء طويلا في حق سيد قطب على صفحات جريدة العلم…

يوم 21 أكتوبر 2016، أي بعد عشرة أيام من الانتخابات الأخيرة ترأس المرحوم امحمد بوستة ندوة علمية بمقر مؤسسة علال الفاسي تحت عنوان: “السلطة التنفيذية في المجال الدستوري والسياسي المغربي”، والتي كان لي شرف المساهمة فيها.. وهنا أتذكر جيدا أن فقيدنا قال فيها إن “ممارسة السلطة التنفيذية يتطلب الحكمة والشجاعة لتحقيق التوازن بين جميع السلط، واستكمال المسار الديمقراطي الذي لن يتأتى بالخطابات، بل بتنزيل القرارات وتنفيذها..”.

كانت تلك آخر مرة أرى فيها الراحل بوستة، وقد بدا فيها متعبا بعض الشيء، دون أن يفقد تركيزه ومتابعته ليوميات السياسة المغربية والعالمية..

استمرت اتصالاتي الهاتفية به أو بنجله العزيز الأستاذ خليل بوستة، للسؤال عن أحواله الصحية، وقد كنّا على أمل اللقاء به في أقرب فرصة رفقة بعض الأصدقاء الأساتذة إلى أن عالجه قضاء الله الذي لا راد له..

رحمة الله عليك وأسكنك فسيح جناتك، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مع بوستة مع بوستة



GMT 00:07 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

المغرب والجزائر.. واتحاد المغرب العربي

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 05:51 2018 الجمعة ,06 إبريل / نيسان

قضية الصحراء والمنعطفات الخطيرة

GMT 00:05 2018 الجمعة ,30 آذار/ مارس

ماذا تبقى من تجربة التناوب؟

GMT 08:15 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

قضية بوعشرين.. البراءة هي الأصل

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya