بقلم : عبد العالي حامي الدين
حالة الانتظارية التي دخلتها البلاد بعد تأخر إعلان تشكيل الأغلبية الحكومية دفعت بعض الأطراف الإعلامية إلى شن حملة دعائية ضد المؤسسات المنتخبة وضد الأحزاب السياسية، وصلت إلى درجة ادعاء أن البلاد يمكن أن تسير بدون حكومة ولا برلمان!
طبعا، الجميع يعرف أن البلاد تتضرر كثيرا من تعثر تشكيل الحكومة وانطلاق أشغال البرلمان، ليس فقط من الناحية السياسية، حيث يقف النموذج الديمقراطي المغربي أمام اختبار حقيقي، ولكن أيضا من الناحية التشريعية، حيث مجموعة من مشاريع القوانين مازالت معطلة، ومن الناحية الاقتصادية، حيث كثير من المشاريع الاقتصادية متوقفة في انتظار تأشير وزراء الحكومة الجديدة، ومعها تتعطل مشاريع استثمارية كثيرة، ما ينعكس سلبا على الحالة الاقتصادية وعلى الوضع الاجتماعي.
لكن، من المفيد أن نفهم أن نشر مثل هذه الأفكار الدعائية، التي تزعم أن البلاد يمكن أن تسير بدون حكومة ولا برلمان، يندرج في سياق ممارسة الضغط على المفاوضات الجارية بين رئيس الحكومة وبين أحد الأحزاب الذي يفرض شروطا تعجيزية لا يمكن أن يقبل بها رئيس الحكومة.
لكن هذا الخطاب الدعائي ليس معزولا عن مسار سياسي قديم يستهدف النيل من المؤسسات المنتخبة، ويتغاضى عن باقي المؤسسات لأسباب معروفة تختلط فيها ثقافة التملق والانتهازية بثقافة الجبن السياسي.
من جهة أخرى، يمكن أن نعلق على بعض المنهزمين نفسيا، الذين لم يدركوا بعد أن التأخر في تشكيل الأغلبية الحكومية يستبطن أزمة سياسية داخل المربع الآخر وليس داخل العدالة والتنمية وحلفائه في الاستقلال والتقدم والاشتراكية، وصلت ببعضهم إلى الانزعاج من بعض التحليلات الصحافية، وتحميلها مسؤولية تعذر تشكيل أغلبية حكومية… بل وصلت إلى قمة الإهانة والاحتقار حينما اعتبرت أن قيادة حزب سياسي يمكن أن تتأثر بما تعبر عنه صحافة حرة في تحليلاتها، بل وصل هذيان البعض إلى ادعاء أن هذه المقالات الصحافية يمكن أن تُمارس الضغط على رئيس الحكومة للتحالف مع هذا الطرف أو ذاك! وكأن رئيس الحكومة والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عاجزان عن فهم طبيعة المرحلة السياسية والتفاعل معها بما يلزم من رؤى ومواقف، وكأن رئيس الحكومة وقيادة الحزب لم يفهما رسالة 7 أكتوبر ودلالاته السياسية العميقة…
أيها السادة، لقد كنّا أمام إرادة واضحة لإفراغ الانتخابات من محتواها التمثيلي الحقيقي، وهناك مؤشرات عديدة لتأكيد ذلك، غير أن هذه الإرادة انهزمت، وذلك بحكم تحولات اجتماعية وسياسية عميقة صنعت القدرة على تجاوز آليات الضبط القانوني والسياسي، وصنعت ملحمة 7 أكتوبر، واليوم هناك إرادة للسطو على نتائج الانتخابات تحاول أن تكسب بالمناورات ما عجزت عن كسبه بالانتخابات.
فقليل من الصبر يرحمكم الله.