بقلم : عبد العالي حامي الدين
بدون لف ولا دوران، وبغض النظر عن نتائج التحقيق المنتظر لتحديد المسؤوليات فيما يتعلق بفاجعة وفاة المرحوم محسن فكري، وبغض النظر عن الملابسات التي أحاطت بالحادث المؤلم، وبغض النظر عن محاولات التوظيف السياسوي لهذا الحادث المأساوي لتصفية حسابات حزبية ضيقة، فإن الرأي العام الغاضب الذي خرج إلى الشارع في أكثر من 13 مدينة، حمل رسالة واحدة تتجاوز واجب التضامن مع الضحية وعائلته المكلومة، وتتجاوز مطلب التحقيق النزيه والشفاف وإيقاع الجزاء بالذين تسببوا في هذه الفاجعة..
لقد حملت احتجاجات المتظاهرين رسالة واحدة وهي: إرادة العيش بكرامة ورفض جميع مظاهر الحكرة والعجرفة النابعة من عقليات قديمة لازالت تُعشش داخل الإدارة المغربية.
الرسالة الحقيقية التي ينبغي التقاطها والتفاعل معها بالجدية اللازمة، وهي أنه آن الأوان لحوار وطني واسع من أجل الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة الأمن والداخلية.
آن الأوان لنفض الغبار عن إحدى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بإصلاح جهاز الأمن وإطلاق ورش الحكامة الأمنية.
يتعين الانتباه أكثر من أي وقت مضى بأن النظرة العميقة التي تختزنها ذاكرة كل مواطن حول الإدارة هي نظرة سلبية، كما أن التراكم الذي يحتفظ به كل مواطن في علاقته بالإدارة الترابية ممثلة في القايد أو الباشا أو الشيخ أو المقدم هو تراكم سلبي ملؤه احتقار المواطن والاستخفاف بذكائه..
ذاكرة المواطنين تحتفظ بوقائع مسيرة العار بالدار البيضاء التي تورط فيها عدد من مسؤولي الإدارة الترابية وحشدوا لها مئات المواطنين المغلوبين على أمرهم، قاموا من خلال تصريحاتهم التلقائية بالتعرية على القيم التي تتحكم في بعض هؤلاء المسؤولين، وهي قيم العجرفة والتسلط والحكرة واحتقار المواطن…
تحتفظ ذاكرة المواطنين بالتدخلات العنيفة للقوات العمومية لضرب الحق في التظاهر السلمي، وتأجيج غضب الشارع من خلال الإفراط في استخدام القوة، بغية الإمعان في تحطيم كبرياء المواطنين وتركيعهم..
لازالت الذاكرة تحتفظ بحادث إقدام السيدة فتيحة على إحراق جسدها بعد إحساسها بالحكرة والإهانة، من طرف رجل سلطة من درجة قايد…
ولازلنا نتابع العلاقات المشبوهة بين بعض الصحافة المشبوهة وبعض المسؤولين الذين نسوا مهمتهم الأصلية، وتفرغوا لمتابعة السياسيين وإحصاء أنفاسهم في محاولة للظفر بهم في مواطن الشبهة لإنعاش الصحافة الفضائحية بأخبار حميمية تتجسس على الحياة الخاصة للناس…
لهذه الأسباب وغيرها، تصبح المطالبة بإصلاح منظومة الأمن والداخلية من أولى الأولويات خلال المرحلة المقبلة..
ورحم الله محسن فكري..