بقلم : عبد العالي حامي الدين
هناك حاجة جدية إلى وضع احتجاجات الحسيمة في سياقها الصحيح، وقراءة تداعياتها على المسار السياسي المغربي بكل جرأة ووضوح، وأي خطأ في قراءتها سينتهي إلى اعتماد المقاربات السهلة التي تستسلم للمقاربة الأمنية لإخماد صوت الاحتجاج، وكأن الاحتجاج هو المشكلة الأصلية، بينما هو تعبير عن مشاكل أعمق..
من خلال المتابعة السريعة للمقاربة المعتمدة في التعاطي مع احتجاجات الحسيمة، يظهر حجم الارتباك الذي يجري به تدبير الأمور، وهو ارتباك يخفي حجم الخصاص المعرفي بالأسباب العميقة لهذه الاحتجاجات، وهو خصاص مهول يتم تعويضه بـ”نظرية المؤامرة” القائمة على ترويج تُهم الانفصال وتلقي تمويلات أجنبية، وهو خطاب يراد من ورائه توفير الغطاء السياسي للمقاربة الأمنية القائمة على قمع الاحتجاجات بواسطة الاعتقالات العشوائية والاستثمار الواسع للغة” الصرامة في تطبيق القانون”، وتجنيد أبواق الدعاية في مختلف الوسائط الإعلامية لتضليل الرأي العام بالمعطيات الخاطئة بغية تشويه حقيقة هذه الاحتجاجات ونزع غطاء المشروعية عنها..
حالة الغضب لم تعد منحصرة في مدينة الحسيمة وما جاورها، ولا يمكن تجاهل التعبيرات التضامنية مع حَرَاك الحسيمة التي تخرج في عدد من المدن المغربية.
الأسئلة التي تفرض نفسها هنا والآن، هي لماذا وقعت هذه الاحتجاجات في زمن سياسي كان من المفروض أن يكون بمثابة حلقة جديدة في مسار البناء الديمقراطي في بلادنا؟ وما هي المعطيات التاريخية والسياسية والنفسية التي جعلت مدينة الحسيمة مرشحة لاحتضان هذه الدينامية الاحتجاجية التي استمرت 7 أشهر على أرضية مطالب اجتماعية واقتصادية معلنة؟ أليست هناك أية علاقة بين نهاية الزمن الانتخابي وبداية الزمن الاحتجاجي؟ ولماذا لم تنجح مخرجات العملية الانتخابية/ في شقها السياسي، في أن تستوعب هذه الدينامية واستسلمت لتقارير وزارة الداخلية التي ورطت أحزاب “الأغلبية” في تصريحات خاطئة ساهمت في تأجيج الاحتجاجات وأضعفت الدور السياسي للحكومة؟ هل يتعلق الأمر بأزمة سياسية صامتة بالمغرب، يتحاشى الجميع التعبير عنها ووصف حقيقتها بطريقة واضحة، أم إن الأمر لا يتعدى حدود منطقة الريف؟ هل يمكن تجاهل الأسئلة التي يطرحها المواطنون حول الجدوى من المشاركة في الانتخابات، وهي أسئلة تخفي وراءها مناخ الإحباط والإحساس بإجهاض حلم الإصلاح بواسطة الصوت الانتخابي؟ أليس الخطاب الاحتجاجي الرائج في الريف هو نفسه أبرز تعبير عن انعدام الأمل في تنمية حقيقية بواسطة مؤسسات ديمقراطية، واستسلام لنظرية التنمية من الأعلى، في تجسيد واضح لانهيار النظام التمثيلي؟
أليس ما نتابعه الآن، هو إحدى النتائج الملموسة لسياسة التحكم في الأحزاب السياسية وإفراغ النظام التمثيلي من محتواه السياسي وقتل الوسائط السياسية؟
ما هي الإمكانيات التي نتوفر عليها اليوم كدولة وكمجتمع للإجابة عن هذه الأسئلة الحارقة؟
الجواب عن هذه الأسئلة، هو وحده الكفيل ببناء تعاقد سياسي جديد بين الدولة والمجتمع، يمكن أن يبعث الأمل من جديد في دورة إصلاحية جديدة.