بقلم : عبد العالي حامي الدين
بدون لف ولا دوران، مشروع التحول السياسي بالمغرب تلقى ضربة كبيرة، والمرحلة المقبلة ستكون أصعب..
أنا أميز بين السياسة والديمقراطية، التحول السياسي هو مرحلة أساسية في مسار البناء الديمقراطي، هو تلك الديناميكية المتصاعدة من الوعي بالسياسة وتعقيداتها ورهاناتها، هو المعرفة بحقيقة الفاعلين وإخراجهم إلى دائرة الضوء ليظهروا للناس على حقيقتهم، هو تحسيس الناس بأهمية أصواتهم الانتخابية لتغيير موازين القوى بين قوى الإصلاح وقوى الفساد، هو زرع الثقة والأمل في إمكانية أن نرى مسؤولين حكوميين لا يلوكون لغة الخشب ويتواصلون مع الشعب باللغة التي يفهمها، هو ترسيخ الإيمان بأن السياسة عمل نبيل يمكن أن يمارس بنزاهة ونظافة يد..
حسابات الربح والخسارة ليست مرتبطة بعدد المقاعد الحكومية كما يتوهم البعض، ولكنها مرتبطة بالقتل المادي والمعنوي للسياسة، وهذه هي الضربة الحقيقية.
عبدالإله بنكيران رمز وطني كبير نجح في مصالحة جزء من المغاربة مع السياسة، وساهم بأسلوبه المتفرد في تقريب السياسة للمواطنين.. ومحاولة تغييبه عن الساحة السياسية، هي خسارة كبرى للوطن ولمشروع التحول السياسي في البلاد.
أما الديمقراطية فلا يمكن بناؤها إلا مع ديمقراطيين حقيقيين، وبواسطة أحزاب سياسية مستقلة في قراراتها، وقد ظهر بما لا يدع مجالا للشك بأن معظم الفرقاء السياسيين يفتقرون إلى ثقافة ديمقراطية حقيقية، وليسوا مستعدين للتسليم بنتائج الانتخابات، فما خسره خصوم العدالة والتنمية بالانتخابات ربحوه بالمفاوضات ــ “مفاوضات غير متكافئة” طبعا ــ بعدما قبل حزب العدالة والتنمية ما كان يرفضه بالأمس، في ظروف وملابسات سيأتي أوان تفصيلها في زمانه ومكانه.
ما ينبغي الوعي به هو ضرورة الإنصات للتنبيهات الصادرة عن أعضاء الحزب والمتعاطفين معه والمتتبعين لمساره..
وينبغي وضع حد لنظرية المؤامرة التي تفترض أن كل ما يصدر من انتقادات في حق الحزب كلها نابعة من الحقد أو بسوء نية..
كما لا ينبغي الاستهانة بذكاء المناضلين، فهم يميزون بفطرتهم السليمة بين الصدق والكذب والتقية، بين التحليل العقلاني والتحليل العاطفي، بين نظرية المؤامرة والتحليل الملموس للواقع الملموس..
الكثيرون ممن انتقدوا قبول الحزب بشروط لم يكن يقبلها في السابق، دافعهم الأساسي هو الحفاظ على نجاح هذه التجربة من الفشل، لأن فشلها سيكون مكلفا للجميع وهذا ما لا يريد أن يستوعبه البعض..
لا مجال لتنزيه الذات عن الوقوع في الأخطاء، وينبغي معالجتها بالسرعة اللازمة، وترميم ما فات استعدادا لما هو آت، وهو الأصعب.
لكن من المؤكد أن حزب العدالة والتنمية لا يمكن أن يسمح بمتتالية التنازلات أن تستمر، وأن ينسى الهدف الذي جاء من أجله ألا وهو الإصلاح.