بين الصحافة والسياسة مرة أخرى

بين الصحافة والسياسة.. مرة أخرى

المغرب اليوم -

بين الصحافة والسياسة مرة أخرى

بقلم - عبد العالي حامي الدين

الذين قرؤوا للصحافي المصري محمد حسنين هيكل كتابه: “بين الصحافة والسياسة”، يدركون جيدا طبيعة العلاقة التي تربط الصحافة بالسياسة، أو لنقل علاقة الصحافي برجل السياسة، وهي علاقة معقدة، خصوصا عندما يكون الصحافي مرتهنا برجل السياسة، ومعتمدا عليه في تجميع الأخبار وفهم الأحداث وتحليل خلفياتها اعتمادا على المعطيات التي يتلقاها منه بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر، كما كان الحال في مصر زمن كتابة المرجع أعلاه..
أما في الدول التي تعتمد لغة الإشارة لتعويض ضعف التواصل المؤسساتي، ولتأكيد غموض مسالك صناعة القرار السياسي كما هو حال هذه البلاد السعيدة، فإن الصحافة تضطلع بأدوار متعددة، تتجاوز وظيفة نقل الأخبار من مصادرها الموثوقة إلى الرأي العام، لتمارس لعبة تبادل الرسائل السياسية بين الفاعلين..
طبعا، ليس الغرض من وجود صحافة حرة في أي مجتمع هو الاكتفاء بنقل الخبر للمواطن وتزويده بالمعلومات المتنوعة من عالم السياسة والاقتصاد والثقافة والفن والرياضة..، بل إن وجود صحافة حرة تعنى بانتقاء الأخبار الضرورية، بالإضافة إلى تحليلات المتخصصين وآرائهم، من شأنه أن يسهم في تشكيل رأي عام واع قادر على اتخاذ القرارات الصحيحة في اللحظات المطلوبة، ومن شأنه، أيضا، التأثير في صانع القرار نفسه، وإحراجه أمام الرأي العام بنقد سياساته وإبراز تناقضاته وعيوبه وفضح تجاوزاته، لكن بطريقة مهنية تحترم قواعد المهنة وتقدس أخلاقياتها وتحترم ذكاء القارئ قبل كل شيء..
في بلادنا لازالت وسائل الإعلام عاجزة عن الإسهام في تطوير النقاش العمومي في العديد من القضايا السياسية والفكرية والأخلاقية، ولم تنجح في ضخ جرعات ديمقراطية جديدة في الحياة السياسية، بدءا من إعلام دافعي الضرائب وانتهاء بمواقع الاستسهال والتبسيط السياسي والاجتماعي، مع استثناءات قليلة تؤكد القاعدة..
ثم إنه من السهل التحقق من التبعية العمياء لمجموعة من المنابر الإعلامية لبعض مراكز النفوذ السياسي والمالي، رغم حجم التعقيدات التي تلف مجال الصناعة الإعلامية اليوم، والتي تحيط بها إكراهات عديدة تجعل من الصعب الفصل بين المال والإعلام والسياسة..
لكن، مع ذلك، يمكن القول إن أبواق الدعاية والتضليل الإعلامي وصحافة التشهير فقدت مصداقيتها، نظرا إلى حجم الكذب والبهتان الذي تمارسه بشكل مكشوف، فمع مرور الزمن وتزايد دور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من السهل تمييز المنابر الإعلامية الجادة التي تستطيع فرض مصداقيتها عبر التحقق من صحة المعلومات وعدم التحيز ونشر الأخبار الصحيحة والجرأة في تناول القضايا الحساسة، التي تؤكد استقلاليتها النسبية عن مصادر التوجيه المالي والسياسي..
ليس من الضروري أن تلتزم الصحافة الحياد في جميع القضايا، بل من واجبها أن تكون متحيزة لقضايا الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والسيادة الوطنية والانتصار للقضايا القومية والإسلامية والإنسانية، لكن ليس على حساب القواعد المهنية والأخلاقية المعتمدة في تحليل الأخبار..
خطورة الإعلام الأصفر أنه بصدد بناء قيم جديدة تتناقض تماما مع القيم المطلوبة في المراحل الانتقالية، فعوض العمل على نشر قيم الديمقراطية وترسيخ ثقافة احترام حقوق الإنسان والإيمان بالتعددية والقبول بالآخر ونبذ روح الإقصاء والتعصب للرأي والتعريف بالظواهر السياسية والاجتماعية الموجودة وتحليلها، جنحت الصحافة الصفراء إلى خطاب الكذب والتضليل وتحريف النقاشات السياسية والاستجابة لمن يدفع أكثر، مساهمة منها في المزيد من تعقيد الحالة السياسية في البلاد وخلط الأوراق أمام المواطن / القارئ…
الطريق إلى الديمقراطية ليس بالطريق السهل، ومهمة الصحافة في تجارب التحول الديمقراطي مهمة أساسية، ذلك لأنها معنية في حدود وظيفتها الإعلامية، بضرورة إشاعة الفكر النقدي الحر وتحطيم النزعات الوثوقية والاستبدادية والكشف عن مظاهر الفساد والرشوة والتلاعب بالمال العام وتحليل أسبابه واقتراح البدائل الممكنة للتجاوز…
ما ينبغي أن يقتنع به القائمون وراء حملات “البروباغندا الإعلامية” ضد تيارات سياسية بعينها، أن استمرارها في حملات الدعاية والتضليل هو دليل ضعف حججها السياسية وعجزها عن مقارعة الحجة بالحجة، واقتصارها على حملات التشويه والدعاية والتشهير عبر خطاب ممجوج ومبتذل وفاقد للمصداقية..
إن تعدد المنابر الإعلامية وتزايدها أصبح ضرورة حيوية في المجتمعات الحديثة، خصوصا مع الثورة التكنولوجية الهائلة وتزايد أعداد المنخرطين في شبكات التواصل الاجتماعي، ولذلك من المستحيل تنميط ثقافة المجتمعات والاعتقاد بسهولة تعميم الرأي الواحد.
الإعلام الناجح هو الذي يستطيع بذكائه أن يدفع المشاهد إلى بلورة اختيارات سياسية معينة، عن طريق الإقناع وبناء الحجة، وليس عن طريق الحشد والتعبئة والدعاية، بعيدا عن وسائل الشيطنة واختراع نظريات المؤامرة..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الصحافة والسياسة مرة أخرى بين الصحافة والسياسة مرة أخرى



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya