بقلم : عبد العالي حامي الدين
الصراع في المغرب بين أصحاب المصالح وأصحاب الأفكار والإيديولوجيات هو صراع طويل، اعتمدت فيه الأحزاب الحقيقية المنحدرة من رحم الشعب على الأفكار والمبادئ، بينما اعتمد فيه أصحاب المصالح على نهج التحكم واستغلال إمكانات الدولة للتأثير في الأحزاب السياسية وضرب استقلالية قرارها الداخلي..
هذا الصراع انتهى في مرحلة ما بانتصار أصحاب المصالح، لأن أصحاب الأفكار فشلوا في تحصين أنفسهم من منطق أصحاب المصالح، بينما نجح أصحاب المصالح في إدماج أصحاب الأفكار في منطقهم، حينما تسربت قيم الجشع والصراع على المناصب إلى الأحزاب الوطنية واعتبر بعضهم أن تحقيق أهدافه المصلحية يمر عبر التطبيع مع التحكم ومع أساليبه.
غير أن كلفة هذا “الانتصار” كانت باهظة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ودخلت البلاد في منطق الصراع بين المؤسسات، كانت نتيجتها فشل مشاريع التنمية وإخفاق البرامج الاقتصادية المختلفة وتسجيل معدلات كبيرة من الفقر والحرمان الاجتماعي، والإحباط النفسي الذي كانت نتيجته عزوف المواطن عن السياسة، وانتصاب مؤسسات بدون مصداقية وبدون روح.
اليوم، هناك انتفاضة حزبية غير مسبوقة ضد التحكم وضد أدواته الحزبية، ترجمتها مواقف عدد من الأحزاب الحقيقية التي خرجت من رحم الشعب كحزب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والاشتراكي الموحد والبديل الديمقراطي، وأخيرا حزب الاستقلال الذي قدم نقدا ذاتيا عن خروجه السابق من الحكومة قاطعا شعرة معاوية مع التحكم ومع أساليبه، وهو موقف سياسي تاريخي سيكون له ما بعده ونحن على أبواب انتخابات تشريعية مصيرية..
الآن كسبنا نصف المعركة، لأن هزيمة التحكم تتحقق بواسطة أحزاب سياسية حقيقية مستقلة في اتخاذ قراراتها الداخلية وحرة في التعبير عن مواقفها، لكن صخرة التحكم تتحطم وتتناثر أشلاؤها عندما ننجح جميعا في فصل منطق التدبير الحزبي عن منطق المصالح الشخصية، وذلكم هو النصف الثاني من المعركة…