هجمات بن قردان اختبار لتونس

هجمات بن قردان اختبار لتونس

المغرب اليوم -

هجمات بن قردان اختبار لتونس

محمد الأشهب

كم تبدو أحداث «قفصة» بعيدة في الزمان، لكنها لم تراوح المكان. وما بين تسربات وهجمات فيالق العقيد معمر القذافي التي تغلغلت داخل التراب التونسي في نهاية سبعينات القرن الماضي، والوقائع الإرهابية في التسلل إلى بن قردان، بهدف الإعلان عن إمارة «داعشية» ناظم مشترك تغير اسمه ولم يتبدل عنوانه.
وقتها كان يُنظر إلى التجربة التونسية في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة أنها تزعج بواقعيتها وطموحها وانفتاحها. وحين عجزت ليبيا عن اكتشاف مزايا الاتحاد مع مصر والسودان، التفتت إلى جارها الغربي تهدده بعدوى وحدة مفروضة بلا أسس أو سند. لكن الخلاف المغربي - الليبي ساعد في دخول الرباط على خط دعم القوات التونسية ضد الأطماع الليبية.
منذ نشأة الدولة الحديثة في تونس عانت من ضغوط الجوار، إن لم يقضم الشقيق الغربي بعضاً من حدودها، كما في حالة الجرف القاري، تلقت إنذارات فرنسية شديدة اللهجة، لأنها تسهل حركة الثورة الجزائرية، وإن لم يزاحمها أحد في ترسيم حدود مياهها الإقليمية على الساحل المتوسطي واجهت أخطار الجنوب التي استهدفت دائماً إقامة حواجز أمام الامتداد الإفريقي للدول المغاربية.
ربما كان الفارق هذه المرة أن أخطار آفة الإرهاب لم تعد تميز بين الدول الصغيرة والكبيرة. فالهجمات التي ضربت في العمق الأوروبي هي نفسها التي تتناسل في أي مكان تراه قابلاً للاشتغال، أو تسعى إلى زرع فتيل النعرات الطائفية والحروب المتدثرة برداءات دينية. وليس توجيه التهديدات إلى لبنان من طرف تنظيمات أكثر تطرفاً ودموية ووحشية معزولاً عن هذا السياق، كونه يتنقل من ساحة إلى أخرى كلما اشتد عليه الطوق والحصار والتآكل.
ليست هجمات بن قردان أكثر من طبعة تجريبية لاختبار قدرات التونسيين على حماية أنفسهم، فقد فكروا أو تدبروا قبل استحداث حواجز الستائر الترابية المزروعة بأجهزة الإنذار المبكر، وأدركوا عبر وقائع ملموسة أن استهداف الثورة التي تمكنت من الصمود، يكون أكثر فداحة حين يأتي من ثورة مجهضة انقلبت على نفسها وشعبها، كما لو أن هاجس الانتقام من المتنفس التونسي، الذي أسعف ليبيا، يوم فرض عليها الحصار، أصبح سلوكاً في التنكر لجميلها.
تلك مشكلة لا تعاني منها تونس وحدها، وحيث توجد بلدان بأحجام صغيرة وطموحات كبيرة، هناك دائماً من ينزع إلى استغلال الفضاء الجغرافي لفرض واقع سياسي. غير أن بعض الأمثلة التي تقدمها أوروبا تسقط هكذا اعتبارات من الحساب، وما وضع دولة مالطا الصغيرة استثناء، ولا فكرت بلجيكا في تمديد مساحتها أو السويد في الحصول على ما ليس لها.
عندما تجاهر تونس بأنها تعارض أي تدخل عسكري في ليبيا، لا يعني ذلك البتة أنها ترضى حالة التسيب والانفلات الواقعة على حدودها الشرقية، وإنما ترغب في ألا تفاقم أي ضربات عسكرية من أوضاعها، أكان ذلك على مستوى قدراتها على استيعاب اللاجئين والمهاجرين الذين عجزت اقتصادات بلدان أوروبية متقدمة عن دمجهم، أو في نطاق تداعيات استشراء عدوى الانفلات، إنما تشير ضمنياً إلى الحاجة إلى مقاربة بديلة في التعاطي مع الأزمة الليبية، يكون منطلقها وهدفها صون الاستقرار الإقليمي.
من غير الوارد مرحلياً، فصل حروب العقل والحزم في مواجهة الإرهاب التي يخوضها التحالف العربي والإسلامي في المشرق عن تلك التي يتعين مباشرتها في المنطقة المغاربية، وتحديداً في مواجهة التمدد الإرهابي في ليبيا، وإذا كانت دول المنظومة الخليجية اهتدت إلى ضم المغرب ومصر إلى نسيج الوعي التاريخي بأهمية الانخراط في هذه المعركة، فلا أقل من أن يبدي التونسيون قدراً أكبر من الاحتراس والحذر، كي تظل تجربتهم أبعد عن الاكتواء بنيران لم تشارك في إشعالها.
غير أن كل ذلك لا يلغي حتمية التضامن والدعم التي تفوق الحسابات العابرة. وليس غير التونسيين أقدر على القرار والاختيار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هجمات بن قردان اختبار لتونس هجمات بن قردان اختبار لتونس



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 01:34 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

برج العنزة..خجول وحساس وكريم تجاه الأشخاص الذين يحبونه

GMT 08:44 2019 الجمعة ,01 آذار/ مارس

أحمد زكي

GMT 04:59 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على مواصفات سيارة ميتسوبيشي Triton الجديدة

GMT 07:52 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

"لاكوست" تطرح مجموعة جديدة ومبتكرة من الأحذية

GMT 14:40 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

5 أمراض يجب على أصحابها تجنب تناول "الثوم"

GMT 16:19 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

فوائد التفاح للوقاية من تصلب الشرايين

GMT 17:35 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"طيران الإمارات" تستعد لتشغيل طائرة "إيربـاص A380" إلى الدوحة

GMT 14:13 2013 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

‫‏الببلاوي‬ : ‫قانون التظاهر‬ سينفذ بكل قوة و بكل حرص

GMT 18:19 2015 الأحد ,11 كانون الثاني / يناير

ماسك العسل و الليمون لشد البشرة بشكل رائع

GMT 16:10 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

المغرب يقرر حفر بئر ثالثة في تندرارة بعد تأكد وجود الغاز
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya