موارد مهدورة

موارد مهدورة

المغرب اليوم -

موارد مهدورة

محمد الأشهب

لو أدرك المتحاربون على حقول النفط في ليبيا أن الدم ليس أرخص من الذهب الأسود، لما حشدوا مناصريهم في الميلشيات والقوات النظامية للسيطرة على المرافئ التي صارت مفتوحة على كل الرياح. ولو كانوا في وارد احتساب تداعيات انهيار أسعار النفط، لما بددوا الأرواح والسلاح في معارك خاسرة، أقربها أن من يشعل الحرائق في الخزانات الملتهبة لا يملك وسائل إطفائها.

كان يعول في ظل جهود الأمم المتحدة ودول الجوار على صون الأرواح وإقرار المصالحة لمعاودة بناء الثقة وجسر هوة التباعد، وإذا بنداءات الاستغاثة تصدر من أجل إطفاء حرائق خزانات النفط عند محور الهلال النفطي الذي لم يعد خصيباً، وما كانت موارده يوماً تصرف لفائدة التنمية. غير أن الاقتتال الدائر لا يضع في الاعتبار أنواع الهزات التي ضربت قدرات دول منتجة للنفط الذي يتهاوى سعره. ولعل السبب في ذلك غياب الوعي بأهمية بناء الدولة.

ثمة سابقة في تبديد ثروات الغير، أقدم عليها صدام حسين إبان اضطرار قواته للخروج من الكويت، بفعل إجبارها من طرف قوات التحالف الدولي. لكن الموانع التي صنعتها القوات العراقية، عبر أطنان السائل النفطي في الحفر المشتعلة، لم تجنب الرئيس الراحل ما تصوره اختفاء في حفرة أخرى أطبقت عليه. ما يحيل إلى مرجعية استقراء تاريخ الاستبداد بوقائع الحفر وبالوعات الصرف الصحي.

تلك قضية أخرى، غير أن الإمعان في تبديد ثروات الغير حقداً وتشفياً لا يضاهيه إلا الإصرار على إتلاف موارد الدولة، كما في الحالة الليبية، عبر صدام دام لا طائل من ورائه. غير توسيع الهوة وبذر الفتن وتكريس التجزئة والانقسام، لأن من يفكر بمصلحة الدولة، مهما كان شكل بنائها ونوعية اختياراتها، لا يجهز على قدراتها الذاتية ومواردها الطبيعية.

الغريب أن حرق حقول النفط وخزاناته يتزامن وتراجع نفوذه الاقتصادي والتجاري. وفيما تنزع دول عربية وازنة إلى تجاوز عثرات الأسعار، من خلال زيادة حجم الإنفاق على مشاريع التنمية، بهدف حفظ التوازن وتثبيت جدلية الموارد الطبيعية التي تكون في خدمة الإنسان، تنحو تجارب أخرى في اتجاه هدر ما تبقى من شعاع الأمل. ما يعاود طرح إشكالات التنمية في علاقاتها بتنويع الموارد وإغناء الاستثمارات وعدم الركون إلى الإشكالية.

من الأمثلة الأقرب إلى ضغوط شح الموارد النفطية ذات البعد الواحد، أن دولة كالجزائر، اضطرت لمواجهة الموقف بإلغاء أجندة التوظيف في القطاع العام خلال السنة الجديدة، تحت تأثير تراجع المداخيل. وإذا كان مفهوماً أن اللوذ إلى خيار التقشف يخفف من ثقل الأزمات غير المتوقعة، فإن الرؤية بعيدة المدى في تكييف الموارد والحاجيات تضع في الاعتبار أي هزات من هذا النوع. بل إن التفكير في ما بعد بحبوحة النفط صار علماً قائم الذات، دفع دولاً عدة إلى الانفتاح على الزراعة والصناعات وولوج عالم التكنولوجيا الحديثة، بهدف تنويع الموارد، كي لا يظل اقتصادها رهين تقلبات الأسواق.

في التضاريس الجغرافية والاقتصادية في منطقة الشمال الأفريقي، ما يمكن أن يساعد على تجاوز الأزمات العارضة، في حال استقراء تداعيات الأزمة النفطية. وإلى أن تعود ليبيا بكامل قدراتها، فإن مفهوم التكامل الاقتصادي، في نطاق المنظومة المغاربية، يشكل الخيار الأمثل لاستيعاب أي ضربات موجعة.

في المغرب وتونس، موارد زراعية وتجارب واعدة في السياحة والخدمات وتوسيع حجم المقاولات. لا تزال المنتوجات الزراعية والنسيج والصناعات التحويلية تواجه التضييق من بلدان الاتحاد الأوروبي، على رغم التلويح بالنوايا الحسنة، ضمن منظومة الشراكة والوضع المتقدم في العلاقات بين الأطراف. وفي الجزائر إمكانات هائلة للاستثمار في مختلف القطاعات، فيما ستكون ليبيا عند معاودة إعمارها سوقاً جاذبة للشركاء من مختلف الأصقاع.

لعل في معاودة فتح كتاب التكامل المغاربي ما يغني في إرساء قواعد وأسس توجهات جديدة. غير أن ليس من خلال تبديد وحرق الموارد يمكن تحقيق أهداف البناء المشترك. والمشكل أن الحرائق السياسية لا تشمل خزانات النفط وحقوله، بل خيار الاندماج والتكامل. ولا يشبه دخان الحرائق ذاك الذي يوحي بالانفراج وبداية مرحلة جديدة.

"الحياة"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موارد مهدورة موارد مهدورة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 07:02 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

توتنهام "يغازل" بيل للمرة الثانية في أقل من أسبوع

GMT 07:03 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أمن بني ملال يوقف شخص بتهمة السرقة بالإكراه

GMT 11:29 2020 الأحد ,19 إبريل / نيسان

لبنان ... العائد إلى واقع ما قبل 2005

GMT 16:18 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

سعيد عبد الغني

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تمتعي بمغامرة لا تُنسى بين معالم جزيرة سريلانكا

GMT 04:59 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

نشوب احتجاجات عدة في إيران عقب مقتل 12 شخصًا

GMT 02:40 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة يعلن صعوبة انتقاء الأغنية الأفضل

GMT 14:02 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رويدا عطية تعتبر ظهورها على شاشة التلفزيون خطوة جريئة

GMT 03:59 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حكومة تريزا ماي في مأزق جديد بسبب "البريكست"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya