محمد الأشهب
من حق رئيس الحكومة المغربية الشكوى من تقييد صلاحياته، لأنه لا يستطيع تغيير موظف في الإعلام الرسمي اقترف أخطاء سياسية ومهنية وأخلاقية. وحدث أن اقترح عبد الإله بن كيران استبدال وزراء ومحافظين وسفراء، من دون أي اعتراض، لكنه في الملف الإعلامي يبدو متردداً، يرفع الراية البيضاء، ويكتفي بإطلاق تصريحات نارية لا تغير شيئاً في واقع قلاع الإعلام المحمية.
أبعد من الصلاحيات المخولة لرئيس الحكومة في الدستور المعدل الذي اعتبر وثيقة متقدمة في مضمونه، أنه يرعى شؤون الإدارة الموضوعة رهن تصرفه. لكنه في واقعة إعلامية صرفة، اضطر إلى توجيه رسالة إلى الهيئة العليا للإعلام السمعي – البصري، يطلب فيها عقاب مسؤولين إعلاميين «استفزوا مشاعر المغاربة» على حد تعبيره من خلال نقل حفل راقص يخدش الحياء. سواء أكان رئيس الحكومة تعمد إحراج الهيئة المعنية ذات الصلاحية في رقابة المنتوج الإعلامي، وفق مواصفات مهنية وأخلاقية وسياسية، تسمح باحترام التعددية، أو رغب في استخلاص موقف يساعده في قص جناح طيور تغرد خارج السرب، فالمسألة الإعلامية في المغرب تراوح مكانها، من دون أن تحقق الأهداف المتمثلة في التفاعل المتواصل مع الرأي العام.
استطلاعات الرأي وقياس نسب المشاهدة تنحو في اتجاه سلبي. والعجز عن تحويل الإعلام الرسمي إلى رافد يدعم التجربة السياسية أصبح أشبه بديهيات. فيما الرهان على المنتوج المحلي في الإعلام بأجناسه وأنواعه أثبت جدواه في ممارسات عدة، إلا أنه في حالة الخدمات المفترض أن يؤديها الإعلام الرسمي في المغرب يبدو «التراجع والنفور» سيد الموقف.
منذ تكريس خيار التناوب في نهاية تسعينات القرن الماضي، ألغيت فكرة استئثار شخصيات مستقلة بإدارة وزارة الإعلام الوصية على القطاع. واعتبر ذلك تطوراً لناحية التقليص من مفهوم ما يعرف بوزارات السيادة التي كانت تشمل الخارجية والعدل والداخلية والإعلام إلى حد ما. غير أن تولي وزراء من الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية مسؤوليات القطاع، لم يكن بالحدة نفسها التي ارتداها الموقف، عبر تولي وزير ينتسب إلى «العدالة والتنمية». ما جعل الجدل حول معاودة تنظيم القطاع، في سياق دفتر تحملات يستغرق الساحة.
إذا كانت خلاصات النقاش آلت إلى رفع الوصاية السياسية والحزبية عن وسائل الإعلام الرسمية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنها يمكن أن تلعب أدواراً، من قبيل معارضة السلطة التنفيذية. ومع أن أي حزب أو تيار لا يملك صلاحيات أن يفرض على المشاهدين المغاربة ما يجب أن يقدم وما يتعين عدم بثه، فإن سقف الممارسات المهنية والأخلاقية لا يمكن خرقه. وبالتالي يصبح إصرار بعض القنوات الإعلامية على تحدي مشاعر الجمهور أقرب إلى نكاية في السلطة الحكومية التي يقودها حزب ديني.
فطن «العدالة والتنمية» إلى احتمالات المزالق، فنزع عن نفسه صفة «الإسلامي»، موضحاً أنه حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية. ولم يلبث أن يؤكد أنه لم يأت لتغيير السلوك الديني، بل مواجهة الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولم يحل ذلك دون انجذابه إلى ساحة المعارك الأخلاقية، أقلها على مستوى أداء التلفزيون والإنتاج السينمائي والتظاهرات الغنائية. لكن الأدهى في غضون اتساع الجدل حول المسألة الإعلامية والأخلاقية، لم تجد بعض الأوساط الرسمية حرجاً في تقديم «عرض مهرب» لشريط سينمائي محظور.
القضية ليست شأناً محلياً أو خصوصياً، ففي التصدي للانحراف، أقدمت السلطات المغربية على ترحيل مواطنات أجنبيات بدعوى ممارسة أعمال شائنة منافية للتقاليد والأعراف، فيما أن تقديم شريط سينمائي أو نقل سهرة اعتبرت مخلة بالحياء يصنف في سياق الدفاع عن الحرية الفردية. إلا أن الأخطر في هكذا ممارسات أنها لا تحرج الحزب الذي يقود الحكومة، عبر تجربة سياسية أولى من نوعها في تحمل حزب إسلامي مسؤولية إدارة الشأن العام. بل تتعدى ذلك نحو الإجهاز على مقومات مجتمعية، كانت سبيل المغاربة في التغلب على تحديات مصيرية.
ازدواجية سياسية وإعلامية، تكاد تختزل عمق التناقض القائم، ولو أن الإعلام الرسمي ليس حزباً معارضاً وليس دوره أن يكون كذلك، غير أن معركة كسر العظم بدأت ولا بد أن تسقط ضحايا.