عندما تتحول الصحافة إلى ابتزاز

عندما تتحول الصحافة إلى ابتزاز

المغرب اليوم -

عندما تتحول الصحافة إلى ابتزاز

محمد الأشهب

لم تفرض إشكالات صنع الرأي العام وصدق المنتج الإعلامي والفكري نفسها بقوة، كما في واقعة المواجهة الراهنة بين ملك المغرب محمد السادس وصحافيين فرنسيين، ضمن ما عرف بـ «صفقة ابتزاز» أدت إلى متابعة قضائية لكل من إريك لوران وكاترين غراسيي اللذين اشتهرا بكتاب سابق حمل عنوان «الملك المفترس» صدر في زحمة الحراك العربي.
وإذا كان تقويم مضمون ذلك الكتاب وما حفل به من مؤاخذات متروكاً لحكم التاريخ، فإن تداعيات الحادث الأخير ألقت بظلالها على خلفيات صدوره، وانسحب على ما كان يعتزم الصحافيان القيام به، لناحية إصدار كتاب جديد، التزما بوضعه على الرف وحظر الاقتراب إلى الحديقة المغربية مقابل مبلغ مالي، كان بمثابة الطعم الذي أدى إلى الإيقاع بهما في سابقة فريدة.
مهما كانت نتائج التحقيق ومآل الملف الذي أصبح شأناً قضائياً فرنسياً، فالقضية في بعدها الأخلاقي على الأقل تثير جدلاً حول حدود الممارسة المهنية في صحافة التحقيقات. فأن تكون الدوافع ذات خلفيات سياسية لا يثير الأمر أي استغراب، وأن تكون مهنية تتوخى تحقيق اختراق صحافي لما يدور خلف الأسوار، فالمسألة مشروعة، وإن بمعايير المغامرة التي يفترض أن تستثني ما هو شخصي يطاول الأعراض والخصوصيات. لكن عندما تكون بهدف إبرام «صفقة مالية» تتعدد نعوتها، فالمسألة تحيل على ضوابط وأخلاقيات، لا يمكن القفز عنها. فالكلمة مسؤولية قبل أن تكون ممارسة مهنية، كما أنها ارتبطت بمواثيق شرف، يحكمها الضمير ومتطلبات النزاهة الفكرية، بما فيها التعاطي مع القضايا والملفات الخلافية.
لا وجود لأي مهنية تخلو من مقتضيات أخلاقية، فالأسرار الطبية والتزامات المحامين بعدم جمع النيابة عن خصمين، وارتباط تحمل المسؤوليات السياسية بالمحاسبة، كلها روادع تحظر الاقتراب من المحظور. بل إن الحروب ذاتها لها قوانينها التي تمنع إطلاق النار على العزّل وحسن معاملة الأسرى. وبالأحرى عندما يتعلق الأمر بقطاعات حيوية تهم حرية الرأي واحترام حق المتلقي في الوصول إلى المعلومات من دون تحريف أو سوء استغلال.
لئن كان يعتري أوضاع الصحافة وحرية التعبير المزيد من الاستدلالات على الوقوع تحت تأثير التهجين وتكميم الأفواه والانصياع لثقافة السلطة الحاكمة في أرجاء عدة في العالم العربي، فإن أخطاراً من نوع آخر تستهدف المشهد الإعلامي والثقافي. إذ يصار إلى تسخير شرف الكلمة في غير ما وضعت له، أي ممارسة الابتزاز وطلب الفدية مقابل السكوت أو التهديد بالنشر. وأضحى على جنود مهنة المتاعب أن يتصدوا لمظاهر انحرافها التي تسيء إلى أهدافها النبيلة.
لم ينتبه كثيرون إلى أن معركة المغرب في مواجهة تصنيفات وخلاصات استبيانات حول درجة تموضعه في معايير التنمية والحوكمة والتدبير، ارتدت أهمية بالغة منذ فترة، حتى أن الملك محمد السادس دعا إلى عدم إغفال معيار «الرأسمال البشري» أي الثروة غير المادية التي تطاول الاستقرار ومستويات التعايش والخصوصيات الاجتماعية في التضامن والتماسك. وكان لافتاً أنه أنحى باللائمة على من وصفهم بـ «موظفين يقبعون في غرف مكيفة الهواء» ويصدرون الأحكام عن تجارب الدول والمؤسسات. وقبل ذلك انتقد بشدة استخدام الميول السياسية في التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان، بخاصة أن منظمات دولية بارزة تعتمد في تقاريرها السنوية حول قضايا الحريات على مقالات ومنشورات الصحافة الدولية.
يختلف المجال، في طبيعته ونوعيته ودلالاته، لكن الإعلام يضطلع في غضون ذلك بدور أكثر نفوذاً، أي أنه سلطة تقديرية لا تختلف عن تلك التي يملكها القاضي عند إصدار أحكامه، أو يملكها الموظفون الذين تكون سلطة التوقيع على الصفقات من اختصاصهم. بل إنها تزيد عن ذلك لناحية التأثير في صنع تيارات داخل الرأي العام المحلي والدولي. ولئن كان سجل المغرب في المواجهات مع بعض الصحافة لا يخلو من مناكفات وتجاذبات، فإنه استطاع في أكثر من منازلة حيازة أحكام من طرف القضاء الفرنسي تحديداً أنصفت الملك الراحل الحسن الثاني الذي لم يطلب أكثر من درهم رمزي لمعاودة رد الاعتبار. فيما ذهبت أحكام أخرى في اتجاه معاكس.
هذه المرة كان الأمر مختلفاً، وبينما نحت العلاقات بين الرباط وباريس في اتجاه التطبيع الإيجابي وتبديد الغيوم العالقة، جاء الحدث مزلزلاً، ومن أبرز تداعياته أن الكلمة الحرة حين تنصرف إلى البناء وتقريب فجوات التباعد، أفضل منها حين تخلق الحزازات وتنسف العلاقات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما تتحول الصحافة إلى ابتزاز عندما تتحول الصحافة إلى ابتزاز



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 07:02 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

توتنهام "يغازل" بيل للمرة الثانية في أقل من أسبوع

GMT 07:03 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أمن بني ملال يوقف شخص بتهمة السرقة بالإكراه

GMT 11:29 2020 الأحد ,19 إبريل / نيسان

لبنان ... العائد إلى واقع ما قبل 2005

GMT 16:18 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

سعيد عبد الغني

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تمتعي بمغامرة لا تُنسى بين معالم جزيرة سريلانكا

GMT 04:59 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

نشوب احتجاجات عدة في إيران عقب مقتل 12 شخصًا

GMT 02:40 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة يعلن صعوبة انتقاء الأغنية الأفضل

GMT 14:02 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رويدا عطية تعتبر ظهورها على شاشة التلفزيون خطوة جريئة

GMT 03:59 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حكومة تريزا ماي في مأزق جديد بسبب "البريكست"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya