محمد الأشهب
أن يستثني الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المغرب من جولته الشمال أفريقية، أو تكون الرباط استثنت نفسها لاعتبارات إجرائية، فالأمر سيان. وما لم يضع المسؤول الأممي الأول مواقف الأطراف المعنية كافة بنزاع الصحراء في صلب الاعتبار، يصعب عليه استخلاص حل وفاقي يحرر المنطقة من تداعيات توتر إقليمي طال أمده أكثر من أربعة عقود.
محور الاختلاف بين زيارة بان كي مون وتلك التي قام بها سلفه كوفي أنان، أن الأخير اكتفى بتفقد المحافظات الصحراوية الواقعة تحت نفوذ المغرب وعرج على مراكش لإجراء محادثات رسمية كانت تطاول البحث في الإمكانات المتاحة لإجراء استفتاء في الأقاليم الصحراوية من عدمه، تأسيساً على كون الصيغة الرئيسية التي لا مخرج لها كانت تكمن في تحديد المؤهلين المتحدرين من أصول صحراوية للمشاركة في الاقتراع.
وعندما يقوم بان كي مون بزيارة موريتانيا والجزائر ومخيمات تيندوف، مع التوقف في العاصمة الإسبانية مدريد، يكون كمن يحاول إكمال الشطر الثاني من جولة خلفه كوفي أنان.
غير أن الفارق بين الزيارتين لا يهم السنوات، بل مضمون الخطة التي ترعاها الأمم المتحدة لإنهاء التوتر، فقد استبدل المنتظم الدولي خطة الاستفتاء بمفهوم «الحل السياسي» الوفاقي الذي تقبله الأطراف كافة. والفرق شاسع بين استفتاء لا مكان فيه لأي وفاق، إذ لا بد من أن ينتج منه طرف منتصر وآخر منهزم، وبين حل سياسي تذهب إليه الأطراف كافة، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
جديد المقاربة الدولية التي يتبناها مجلس الأمن باقتراح من بان كي مون، أنها تدعو الأطراف المعنية إلى التعاون، في ما بينها ومع الأمم المتحدة، لإنضاج شروط الحل السياسي الوفاقي. ومن هنا تأتي أهمية زيارة بان كي مون إلى كل من موريتانيا والجزائر، باعتبارهما طرفين «غير مباشرين» على حد الصيغة التي أقرها الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر الذي كان طرح فكرة الحكم الذاتي كحل وسط، مع الإشارة إلى أنه لا يمكن إغفال الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية التي أكدت وجود روابط قانونية وتاريخية وحضارية بين سكان المحافظات الصحراوية والسلطة المركزية في الرباط.
إذا كان صحيحاً أن الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية عرض إلى صيغة تقرير المصير، فإن تأويل هذا المفهوم شكل أهم مفصل في تباين المواقف. وبالتالي فالصحيح أيضاً أن أي تأويل لمبدأ تقرير المصير لا يمكن أن يلغي الروابط القانونية والتاريخية القائمة. وتنبهت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى احتمالات هذا التعارض، فأكدت في توصيتها الرقم 1514، أن الأسبقية تكون لتغليب مبدأ وحدة الدول على تقرير المصير إن كان يراد به الانفصال.
ليس المشكل قانونياً، ومهما تعددت مقارباته على مستوى القانون الدولي والمرجعيات التاريخية، فإنها لن تقود إلى تصور مشترك للحل. ولم تلجأ الأمم المتحدة إلى طلب استشارة محكمة العدل الدولية، إلا لأن إسبانيا المستعمر السابق لإقليم الصحراء، كانت تقول أن الصحراء كانت «أرضاً خلاء» لا مالك لها. بينما سجلت الرباط القضية كمسألة تخص تصفية الاستعمار منذ أواخر ستينات القرن الماضي.
يعني ذلك بوضوح أن المشكل سياسي، وأن حله لا يمكن إلا أن يكون سياسياً، يحتم قيام تعاون كامل وغير مشروط بين الأطراف المعنية، على حد تمنيات مجلس الأمن الدولي. يتدرج الموقف بعد ذلك إلى انسحاب ذلك التعاون على العلاقة مع الأمم المتحدة. لكن كيف يمكن تصور انعطاف بهذا المستوى في ظل الخلافات السائدة؟ فالمغرب والجزائر مثلا لم يقدرا حتى الساعة على مجرد بحث ملف الحدود المغلقة التي يسري مفعولها أكثر من عقدين. ولم يستطيعا في غضون ذلك الاتجاه نحو تفعيل الاتحاد المغاربي المتعثر.
ليكن فصل الصحراء عن هذه المسارات مقدمة انفراج. لولا أن الحقائق على الأرض تؤكد أن الخلافات أكبر من ذلك، لأن نزاع الصحراء سبق أزمة الحدود بسنوات.