المغرب الرأي العام يسائل

المغرب: الرأي العام يسائل

المغرب اليوم -

المغرب الرأي العام يسائل

محمد الأشهب


عندما يهدد رئيس الحكومة المغربية باستقالة فريقه في كل الجهاز التنفيذي، في حال ثبوت تقصير حيال الأسباب التي أدت إلى فاجعة مقتل ما لا يقل عن ثلاثين شخصاً في حادث سير مأسوي، تنصرف الأذهان إلى ما هو أبعد من «حرب الطرق» التي يحتل فيها المغرب موقع الصدارة. وما بين تهور السائقين والاستخفاف بقانون السير وهشاشة بنيات الطرقات واستشراء ظاهرة الرشوة في المعاملات المختلفة، يحتاج الأمر إلى ثورة ثقافية في سلوك الطرقات.
جديد الموقف أنه صار في إمكان الرقابة الشعبية على أداء الحكومات أن ترتقي بالرأي العام لاحتلال مكانة مؤثرة بين السلطات. فالمؤسسة الاشتراعية تحتاج إلى حيازة ثلث مكوناتها لإطاحة السلطة التنفيذية عبر آليات سحب الثقة. والقضاء في إمكانه أن يتابع الوزراء والموظفين رفيعي المستوى، عند اكتمال ملفات المتابعات القضائية التي تتطلب إجراءات محددة. فيما الأزمات السياسية والاقتصادية نادراً ما تجبر الحكومات على التنحي، إلا في نطاق محدود جداً.
لكن سلطة الرأي العام المتنامية عبر الصحافة وتنظيمات المجتمع المدني، إضافة إلى القوى السياسية والمركزيات النقابية ومظاهر الصراعات السياسية، صار في وسعها أن تقض مضجع الحكومات. ولم يكن لهذا التطور أن يرتدي ما هو عليه من أهمية، إلا بخلفية الزخم الذي صنعه حراك الشارع، ضمن ما يعرف بالربيع العربي، بصرف النظر عن مآل تجارب سياسية عدة. فالأهم أن الرأي العام أضحى معادلة لا يمكن شطبها في ربط ممارسة المسؤولية بالمساءلة. ولم يلجأ رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بن كيران إلى التهديد بالاستقالة، إلا لكونه أدرك التأثير السلبي لاستشراء ظاهرة حوادث السير. بخاصة وأنه سبق أن أعلن أنه كان عقد العزم على التنحي، عند وقوع حادث مأسوي مماثل قبل فترة.
لم تفرض فصائل المعارضة، في سعيها إلى استخدام منطق كسر العظم في مواجهة الحكومة، على بن كيران التهديد بالاستقالة. بل إنها حين وصل الصراع إلى ما اعتبرته تجاوزات دستورية، طلبت تحكيم المؤسسة الملكية في قضية استخدام الثوابت في حملات انتخابية سابقة لأوانها. ولم تتوقف المركزيات النقابية، ذات الحضور الوازن، في ثني الحكومة عن اتخاذ إجراءات وصفت بأنها قاسية تطاول القدرات الشرائية للمواطنين، ففي النهاية يميل الصراع بين المعارضة والغالبية إلى الإفادة من ثغرات الخصم وتكييفها وفق ما يحقق بعض المكاسب.
كيف تستطيع حوادث السير أن تملك كل هذا التأثير. الأكيد أنه كلما تعلق الأمر بإهدار أرواح ضحايا أبرياء، تحدث الانتفاضة ضد أي سلوك يؤدي إلى الفواجع. إلا أن الأخطر على حياة الشعوب والتجارب السياسية أن تقترن حوادث السير بممارسات سياسية. ولأن مثل هذه الكوارث لا تحدث إلا عند سهو أو تهور السائق، أو حدوث عطل في محركات العربات، أو انتفاء علامات الطرقات أو السير في الاتجاه الخاطئ، فإن الحوادث السياسية تفتح المجال أمام ممارسة قدر أكبر من النقد الذاتي.
ثبت في هذا السياق أن الحوادث السياسية تكون ذات حمولات قاتلة، تجهز على الآمال والتطلعات، وتعود بالتجارب الواعدة إلى الوراء. وعرفت دول عربية، ضمن التي تصنف في خانة الربيع العربي ما يشبه هذه الحوادث المميتة. إما لأن حيازة رخص السوق كانت مغشوشة، وإما لأن العربات اعتمدت التمييز بين الركاب وزادت على حمولتها القانونية، وإما جراء عدم الانتباه إلى إشارات المرور الحمر والبرتقالية التي تفرض الحذر والتوقف.
في حوادث السير المأسوية تقاس الخسائر بأرواح الضحايا والمآسي الإنسانية والكلفة الاقتصادية والاجتماعية، إلى درجة تحتم معاودة النظر في البنيات والسلوك والقوانين. أما في الحوادث السياسية الأكثر خطورة، فهي لا تكتفي بإجهاض الآمال، وإنما نقلت بلداناً عدة إلى حافة الانهيار. بخاصة عندما تصطبغ بأهواء وصراعات مذهبية وطائفية. ولعل ما تسببت فيه هذه الموجة العارمة من الانحراف السياسي الذي أصبح مرادفاً للفوضى وعدم الاستقرار، هو ربط الواقع العربي بفواجع وإحباطات. فمن يجرؤ على التلويح بالاستقالة، وإن ضبط بالجرم المشهود.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب الرأي العام يسائل المغرب الرأي العام يسائل



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya