محمد الأشهب
في مناسبة ذكرى السادس عشر من أيار (مايو) التي اتسمت بأعلى درجات العنف والإرهاب، عبر إقدام 14 انتحارياً على تفجير أنفسهم في أماكن مزدحمة لإحداث أكبر قدر من الضحايا والأضرار، ناقش المغاربة «كتاباً أبيض» حول الإرهاب. وسنحت الفرصة بالتوقف أمام كم هائل من الخلايا التي جرى تفكيكها على امتداد الفترة بين 2003 و2005 من دون استئصال الظاهرة عابرة الحدود، من جذورها. فحيث ينمو الفكر المتطرف وتوجد ملاذات استقراره وأدوات تنفيذ أهدافه، تتسع الظاهرة الإرهابية.
إنها المرة الأولى التي تبسط فيها دراسة استقرائية لفريق باحثين من جامعة طوكيو، دأبوا على معالجة ظواهر الانفلات والعنف وقضايا الأمن والديموقراطية في العالم العربي، حقائق مثيرة جديرة بالتأمل. من أصل أكثر من 130 خلية إرهابية شكل العام 2003 ظهور ست عشرة خلية، ما يحيل على موجة الاندفاع التي رافقت انتقال تداعيات هجمات أيلول (سبتمبر) الأسود في الولايات المتحدة إلى فضاءات الهجمات الإرهابية في اتجاه متصاعد في العام 2007 لتبلغ ذروتها مع مطلع العشرية الجديدة.
الأهم في رصد المعطيات الفكرية والميدانية ومشاريع المخططات أن ثلث الخلايا المفككة لها ارتباطات بتنامي بؤر التوتر على الخريطتين العربية والإسلامية، من أفغانستان إلى العراق، ومن الصومال إلى سورية، ومن ليبيا إلى منطقة الساحل جنوب الصحراء. فيما أعداد المتورطين كعقول مدبرة أو أدوات تنفيذ يكاد يقارب ثلاثة آلاف، لا يخلو من ظاهرة العودة إلى الممارسات نفسها بالنسبة لمعتقلين سابقين، ما يجد امتداده في كون بعض المتطوعين المغاربة إلى مناطق القتال في سورية والعراق كانوا معتقلين سابقين، بمن فيهم أولئك الذين كان يؤويهم معسكر غوانتنامو الذي لم تتحقق وعود إغلاقه إلى اليوم.
أفلحت جهود المنهجية الاستباقية في إحباط مخططات عدة قبل انتقالها إلى حيز التنفيذ، غير أن ذلك لم يحل دون بقاء المغرب ضمن دائرة الاستهداف. بينما تبدو مسارات المتورطين في أعمال إرهابية جد متشابهة. أكان ذلك على مستوى شرائح الفئات العمرية التي تركز على الاستمالة أو آليات الاستقطاب التي انتقلت من المساجد إلى استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، أو في نطاق حلقات التأهيل الفكري ومعسكرات التدريب، إلى درجة تكاد كل خلية تستنسخ سابقاتها. ما يحيل على أسس الاستقطاب والاستمالة التي كانت بدأت بالتطوع للقتال في أفغانستان إبان الغزو السوفياتي، ثم في العراق وسورية وملاذات «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ثم ما يعرف بـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
إلى وقت قريب، كانت التنظيمات الإرهابية وحدها «تحتكر» المشهد الإعلامي في تبني الأعمال العدائية، والأهم في استخلاصات الكتاب الأبيض المغربي أنه ألغى هذا الاحتكار. واتجه نحو الإفادة من منظومة التواصل لوضع الرأي العام المحلي والدولي في صورة الجهود التي تبذل في رهان الحرب على الإرهاب محلياً وإقليمياً ودولياً. ما يعزز الاعتقاد أن البعد الإعلامي في هذه المعركة الكونية لا ينفصل عن استكمال المقاربات السياسية والروحية والأمنية في التصدي إلى الظاهرة.
انخرط رجال الدين والخبراء الاجتماعيون في جانب من معركة التنوير لإبراز مخاطر التطرف والإرهاب والمغالاة وبث قيم الكراهية واللاتسامح. ولم يكن المجتمع المدني، كما الفاعليات السياسية ونخب المفكرين والمثقفين بعيدين عن الانخراط في طلب المواجهة ذات البعد المصيري. غير أن الوقائع على الأرض تميل إلى ترجيح فرضية أن الجانب الأهم في هذا الالتزام لا يمكنه أن يتحقق بمعزل عن حل الكثير من النزاعات الإقليمية والدولية التي تساعد في استشراء ملاذات الخارجين عن القانون، واستخدام الدين في غير ما وضع له من مقاصد نبيلة.
في التجربة المغربية تحديداً، يبدو لافتاً كيف أن إجراءات وخطوات التنسيق شملت العلاقات مع الشركاء الأوروبيين ومع عدد من الدول العربية والخليجية تحديداً، لكنه على المستوى الإقليمي يعتريه الفتور والقطيعة. ما دفع زعامات دولية إلى طرح تمنيات لإقامة تعاون فعال بين دول الشمال الأفريقي، يتجاوز الخلافات السياسية، أقله من منطلق أن الظاهرة الإرهابية لا تستثني أي بلد، مهما كانت خلافاته مع جواره. ولعل الحالة الليبية أسطع دليل على غياب هذا التنسيق، كما هي الحال في التعاطي والتهديدات القادمة من منطقة الساحل جنوب الصحراء.