التجديد في أوروبا

التجديد في أوروبا

المغرب اليوم -

التجديد في أوروبا

محمد الأشهب

بين انتخابات المناطق في فرنسا والانتخابات التشريعية أمس في إسبانيا خيط ناظم، لا تخطئه العين المجردة. مفاده أن فكرة الاستقطاب الثنائي بين اليسار واليمين تهالكت، وصارت أقرب إلى صورة أوروبا العجوز الراغبة في تجديد نفسها وصورتها، وإن تطلب الأمر الإفساح في المجال أمام أفواج اللاجئين النازحين.
غير أن محور التجديد لا يطاول بنيات التركيبة الديموغرافية فحسب، بل يشمل انحسار الأفكار والمبادرات، إلى درجة أن اليمين الأكثر تطرفاً في فرنسا بات يشكل طرفاً أساسياً في معادلات توجهات الرأي العام. وعلى عكس الحزب اليميني الفرنسي الذي ترعرع في كنف جان ماري لوبن، ببواعث عنصرية متشددة، فقد عرف المشهد السياسي في إسبانيا ظهور موجة سياسية جديدة، شاءت معطيات أن تصادف ما يعرف بربيع العالم العربي الذي آل إلى الانهيار.
لكن زعيم الحزب الجديد «بوديموس» الذي يتوق لاحتلال المرتبة الثانية أو الثالثة في أقل تقدير، نشأ في ظل غليان احتجاجات الشارع الإسباني، في العام 2011، على خلفية التأثير السلبي لتداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت شبه الجزيرة الإيبرية، ولا يزال مفعولها سارياً، لناحية البحث الذي يؤرق الشارع حول بدائل المرحلة، ذات النكهة الاقتصادية التي تعاود بناء الثقة في الاقتصاد والسياسة، بعد توالي درجات خيبة الأمل.
عندما كانت التجارب السياسية في أوروبا تميل إلى الليبراليين ووسط اليمين، نحت باريس كما مدريد في اتجاه اليسار. ولم يكن تولي الحزبين الاشتراكيين في فرنسا ومدريد مسؤولية الحكم متباعداً، فيما بدا أن تقليعة التجديد طاولت الأحزاب الشيوعية واليمينية على حد سواء. ولعل تزايد الرغبة في التغيير يدفع الآن إلى البحث في مجاهل جديدة، حتى أن موجة الدعوات الانفصالية، كما هي حال إقليم كاتالونيا الغني، باتت جزءاً من رهانات اقتحام الأسوار المغلقة.
كل ذلك يمضي على نسق الفرضيات التي لا تؤدي إلى غير النتائج التي تترتب عليها، فقد ألقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بخاصة تزايد نسبة البطالة وتراجع الاستثمارات وارتفاع كلفة الضرائب، بظلالها على المشهد السياسي، وأضحى مطلب التغيير يراد من أجل إشاعة بصيص من الأمل، من دون إغفال تأثير التراجع الملحوظ لنظريات ترتيب الأوضاع على قاعدة القطبية الثنائية بين اليمين واليسار.
ثمة أفكار وأجيال جديدة ترغب في تنفس هواء آخر، ولئن كان الأمر طبيعياً ومفهوماً، بالنظر إلى تزايد التحديات التي تواجهها النظم العصرية في التفكير والتدبير، فإن هاجساً أكبر يطل برأسه، يتمثل في تحميل المهاجرين الذين استوطنوا فرنسا كما إسبانيا وهولندا وبلجيكا وبريطانيا وغيرها جانباً من مسؤوليات تردي الأوضاع الاقتصادية. مع أنهم شركاء أساسيون في جهود البناء، ويعود لهم الفضل في تقويم اقتصادات البلدان المضيفة التي اعتمدت على سواعدهم وفكرهم في مرحلة سابقة.
إسبانيا أقرب إلى البلدان الجنوبية للبحر المتوسط، وهي مثل إيطاليا تعاني من التدفق المتلاحق لأفواج الهجرة غير المشروعة. وما يزيد في قتامة الصورة أن الهجمات الإرهابية المدانة باتت مصدر انشغال ينحاز في كثير من الأحيان إلى الفرضيات السهلة، أي إلقاء اللوم على المهاجرين المتحدرين من أصول مغاربية وعربية، على رغم أن أعداد المتورطين في أعمال العنف والقتل الأعمى تشير إلى أن غالبيتهم ولدوا وترعرعوا في البيئة الأوروبية الحاضنة في الضواحي وأطراف المدن الهامشية.
تلك قضية أخرى، فالانتخابات تعزز التوجهات السائدة لدى الغالبية، بما فيها العزوف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، والأجدى في حالات بهذا النوع إبعاد الهواجس ذات الخلفيات العنصرية. ولئن كان صحيحاً أن قضايا الهجرة والإرهاب والانفلات الأمني والأزمات الاقتصادية تبنى على العقول الناخبة، فإن منطق المنافسات يحتم أن تكون الأفكار والبرامج ذات منحى إنساني. لأن أوروبا من دون قيمها تصبح شيئاً آخر، مع أنها في الأصل ملاذ الحرية والانفتاح والمساواة وتكريم الإنسان، بصرف النظر عن العقيدة والجنس واللون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجديد في أوروبا التجديد في أوروبا



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 10:48 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج الأسد

GMT 10:10 2020 الأحد ,29 آذار/ مارس

الشباب والرياضة صبراتة يطلق حملة توعية

GMT 21:42 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

فوائد الخميرة للبشرة وأفضل الأقنعة المجربة

GMT 18:25 2019 الأحد ,06 كانون الثاني / يناير

العُثور على جُثة شاب مقطوع "الأنف" في القنيطرة

GMT 04:04 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر معالم السياحة في مدينة لوكا الإيطالية

GMT 05:58 2018 السبت ,22 أيلول / سبتمبر

ديكورات منزل عطلات ناتالي بورتمان

GMT 07:42 2018 الجمعة ,23 آذار/ مارس

أفخم الفنادق في وسط لندن لتجربة مختلفة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya