الأمن المغاربي وغياب الهوية

الأمن المغاربي وغياب الهوية

المغرب اليوم -

الأمن المغاربي وغياب الهوية

محمد الأشهب


ليس الجمهوريون الأميركيون من كانوا أسخياء في منح بعض دول الشمال الأفريقي صفة حليف من خارج الناتو. فالرئيس الديموقراطي باراك أوباما يميل إلى هذه الوصفة في تأمين التجربة التونسية من مخاطر التهديدات الأمنية والإرهابية، ويلتقي هذا الهاجس في بعده الإقليمي مع أكثر من مبادرة، مناورات مشتركة مع المغرب وحوار سياسي وعسكري مع الجزائر، وترقب أكبر إزاء ما يتفاعل في ليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي.
سابقاً حال الوضع الذي كانت تجتازه ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي دون بلورة سياسة أميركية متكاملة في الفضاء المغاربي. وأكثر المبادرات انفتاحاً رهنت شراكات واشنطن مع كل من المغرب والجزائر وتونس. لكن ليبيا التي استثنيت من المنظور الأميركي للشمال الأفريقي، أضحت اليوم تفرض نفسها كمركز تهديدات واضطرابات، إذ يصعب تحقيق أي نوع من الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، من دون احتواء وحل الأزمة الليبية ذات التداعيات المضاعفة.
لم تعرف العلاقات الأميركية – المغاربية وصفاً مماثلاً، كما هي حال الطريق المعبدة التي آلت إلى بسط نفوذ سياسي وعسكري واقتصادي أميركي، لا تزاحمه إلا رغبات بعض أطراف الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، في استمرار مراكز نفوذها التقليدي، ذي الخلفية الثقافية والتاريخية، من غير أن يرتقي إلى درجة الصراع المفتوح. فقد مهد انهيار الحرب الباردة منذ ربع قرن إلى نتائج استراتيجية كهذه، وساعدت موجة الإرهاب والانفلات الأمني في تكوين خلاصات إزاء أسبقيات المرحلة التي لم تعد تخضع لغير المعايير الأمنية المؤثرة.
السؤال: ماذا يفيد أن يصبح لبعض الدول المغاربية أكثر من وضع متقدم في تحالف الناتو، إن كانت علاقاتها مع بعضها يعتريها الفتور والقطيعة. وإذا كان الأمر يتعلق بترتيبات استراتيجية بعيدة المدى، لا تنفصل عن جوهر مواجهة التحديات الأمنية والتهديدات الإرهابية، فلا أقل من أن يتحول هذا الانتساب الذي يقارب العضوية إلى تنسيق شامل بين العواصم المعنية، فلا يقتصر الموضوع على المنظور الأميركي الذي ينطلق من مصالح الدولة الراعية الكبرى إلى بلورة معالم مشاورات تتبنى الدفاع عن مصالح الدول المغاربية بنفس الأهمية والإصرار والأبعاد.
لم يعد في الإمكان الاطمئنان إلى سياسة المحاور التي سادت فترة طويلة، ولئن كانت هناك تباينات في بعض المواقف بين الأوروبيين والأميركيين حيال بسط مجالات النفوذ الاستراتيجي، فإنها ستنصب دائماً في خانة الأقوياء، عدا أنها تتم في مساحات بعيدة عن الأراضي الأوروبية أو الأميركية. ما يفرض على العواصم المغاربية استبدال نظرتها إلى التحالفات القائمة والمحتملة. وأقربها أن يصبح التحالف بهوية مغاربية سابقاً عن أي حساسيات أخرى. طالما أنها في تحديد المخاطر الإرهابية تتحدث بصوت واحد وتشير بالأصابع والأيدي إلى الأعداء المشتركين، أي الإرهاب وغياب الاستقرار وتعثر جهود التنمية والبناء الديموقراطي. لكنها لا تصوب سهامها في اتجاه واحد، بل تنحو في كثير من الأحيان نحو الوجهة الخاطئة.
لا تسمو السياسات إلا بقدر ارتباطها بالدفاع عن قيم الانفتاح والتآخي. وبالقدر الذي يسمح فيه انضمام عواصم مغاربية إلى منتديات حلف الناتو، كما الشراكات مع الاتحاد الأوروبي، والوفاء بالتزامات التضامن العربي بامتلاك مقومات دفاعية، يصبح تأويل هذه التطورات حافزاً أمام الإقدام على مبادرات لناحية تنقية الأجواء ورأب الصدع. ذلك أن حلف الناتو مثلاً لن يخوض حرباً ضد دولة مغاربية من أجل أخرى. فالأمر يفوق منطق تغليب مصالح دولة مغاربية على حساب أخرى. ومنذ زمان بشر الأوروبيون والأميركيون أنه ليسوا في وارد الإخلال بالتوازنات القائمة.
باتت القرية الكونية تفرض تعايشاً بين الأجناس والأعراق والألوان والمعتقدات، فبالأحرى بالنسبة لدول وشعوب تلتقي عند وحدة العقيدة والمذهب والتاريخ والبيئة الثقافية والاجتماعية والمصير المشترك. من حق التونسيين أن يبحثوا في وسائل تأمين بلادهم من المخاطر المحدقة، خصوصاً تلك القادمة من الجوار الليبي، ومن حق الجزائريين أن يؤمنوا ثوابت الاستقرار والاستمرار وفق النهج الذي يرتضونه، كما من حق المغاربة أن يدافعوا عن وحدة بلادهم واستقرارها وتقدمها. لكن الغائب في كل هذه المعادلات يكمن في تبديد الكثير من الفرص والافتقاد إلى رؤية موحدة. إن لم تبدد كل الخلافات، فأقله أن توجه المجهود الدفاعي والأمني في اتجاه واحد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأمن المغاربي وغياب الهوية الأمن المغاربي وغياب الهوية



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya