«عاصفة الحزم» قابلة للتمدد

«عاصفة الحزم» قابلة للتمدد

المغرب اليوم -

«عاصفة الحزم» قابلة للتمدد

محمد الأشهب


ينقاد الفرقاء الليبيون المتناحرون إلى الوفاق والتفاهم أو القطيعة، وهم يعاينون الأثر الإيجابي لعملية «عاصفة الحزم» التي انطلقت بإرادة صلبة لفرض الإذعان إلى الشرعية، ليس أقله اصطفاف غالبية الدول العربية ودعم العواصم الوازنة وانبعاث آمال كبيرة في قدرات العرب على حسم مشاكلهم سلمياً وردع الخارجين عن الشرعية بقوة مشروعة.
بين المبارزات الميدانية التي حولت ليبيا إلى ساحة حرب مفتوحة على أخطر الاحتمالات، والتوجهات السلمية التي بدأت معالمها في حوار الصخيرات المغربية، لا وقت تمكن إضاعته في التردد واحتساب مراكز التأثير خارج القرار الليبي، فالأمثلة التي تقدمها «عاصفة الحزم» أقرت قطيعة منهجية مع أشكال الاستهانة والتساهل إزاء المغامرات التي تستهدف أمن واستقرار ووحدة أي دولة عربية، أكانت صادرة عن أطراف داخلية بولاءات خارجية أو أشبه بحروب وكالة مدمرة.
لم يبتدع القرار العربي نهجاً مخالفاً للشرعية الدولية، بل اهتدى بروحها ومضمونها. فقد تدخلت القوات الفرنسية في مالي لتطهير شمال البلاد من تنظميات إرهابية مسلحة، سعت إلى فرض أعراف منافية للتعايش والسلم، وحظيت في غضون ذلك بدعم أفريقي ودولي يضع الحرب على الإرهاب والتطرف والانفصال في مقدم الأسبقيات والالتزامات. وقبل ذلك لم يكن تدخل حلف «الناتو» لحماية المدنيين الليبيين من بطش النظام بعيداً من المرجعية الشرعية. والحال أن التحالف العربي والدولي المناهض لما يعرف بتنظيم «داعش» يجسد بدوره نموذجاً لردود الفعل المشروعة، تحت لواء حماية وحدة وسياسة الدول وشرعية اختياراتها الإرادية.
هذه الفصول المتكاملة من الأحداث والتطورات التي سيكون لها ما بعدها من نتائج، ليس أبعدها إحياء معالم انتفاضة عربية ضد استباحة الأرض والإنسان، يفترض أن تصبح حافزاً أمام الفرقاء الليبيين، كما غيرهم من الأجنحة المتصارعة في غير مكان. ولئن كان مفهوم الدعم العسكري العربي اعتراه الالتباس والغموض في بعض الفترات، كما في تجربة قوات الردع التي تعاطت مع أزمة لبنان، قبل انفراد القوات السورية التي شكل وجودها وبالاً على البلد المسالم، فإن عملية «عاصفة الحزم» اختلفت في بنياتها وجوهرها وأسلوبها، ثم جاءت قرارات قمة شرم الشيخ لتضفي عليها أبعاداً مرجعية وميدانية أكثر متانة وقوة وحيوية.
ليس الجوار اليمني للسعودية هو فقط ما حتم مواجهة المخاطر باللغة التي يفهمها العابثون بالشرعية. وليس التمدد المذهبي الخارجي الذي يحاول إقامة طوق على أهم منطقة في الجسد العربي فحسب، ما دفع إلى التصدي لأطماع الهيمنة، ولكنه الاستقراء الموضوعي العميق لسمات المرحلة العربية، كان وراء انبثاق الوعي الجديد الذي ينهي مع فترة الفرجة واللامبالاة إزاء ما يحدث.
في المخاطر الأقرب لانحراف مسار ما يعرف بالربيع العربي، ما يؤكد أن الاستهداف ذو طبيعة أكبر من إثارة الفوضى والاضطرابات وغياب الأمن، أي تكريس طبعة منقحة لسياسة التجزئة والبلقنة، خاصة وقد اعتمدت بالدرجة الأولى على مشاعر الانتساب المذهبي والعزلة الطائفية. فقد تعرضت مملكة البحرين قبل اليمن إلى تجريب هذه الوصفة الهدامة، ولم يتمكن العراق بعد من اجتثات الآثار السلبية لرواسب أخطاء تاريخية. بينما تبدو الحالة السورية أشبه ببركان انفجرت مظاهر سخطه الخارجي، في انتظار تفاعل كيمياء الأزمة وعناء نظام خارج الشرعية.
لن تكون المنطقة المغاربية في مأمن من هذه التداعيات. فالأزمة الليبية تؤشر إلى وجود بركان آخر قابل للانفجار واتساع شظاياه شرقاً وغرباً. ولا يعني استمرار صراع الشرعية سوى أن العناد يقود دائماً إلى الارتطام بالجدار.
ثمة فرصة سانحة لاستيعاب الدرس، أقربها رسوخ الاعتقاد بأن الحوار والتفاهم وحدهما ينوبان عن فرقعات الأسلحة. ولعل المثال اليمني كفيل بأن يفتح العيون على أنواع المخاطر التي تتدثر بعباءات ملونة. فاليمنيون لم يكونوا في حاجة إلى غير التزام شرعية النظام والإفساح في المجال أمام الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة قبل فوات الأوان. ولن نعدم الأمثلة عن جذب الفرقاء الليبيين إلى مساحة أخرى، غير تلك التي يتحركون ضمنها بوازع الاستئثار بالسلطة.
«عاصفة الحزم» بدأت في المشرق، وهي قابلة لأن تتمدد على قدر اتساع الأخطار. لكن أليس هناك حكماء في إمكانهم تجنيب الصف العربي أعباء جديدة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«عاصفة الحزم» قابلة للتمدد «عاصفة الحزم» قابلة للتمدد



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya