بقلم : محمد الأشهب
بقدر من الحرص على تصحيح المسار، في العلاقة بين المغرب والأمم المتحدة، ينجذب الطرفان إلى حوار هادئ، ظاهره تمكين الجناح المدني في بعثة «مينورسو» من معاودة استئناف مهماته، وفق مقاربة وفاقية، وهدفه النهائي بناء خيوط الثقة لإيجاد «حل سياسي» دائم لنزاع الصحراء برعاية الأمم المتحدة.
أكثر ما يخشاه المتابعون لتطورات التوتر في شمال غربي إفريقيا، ليس انكفاء مهمة بعثة «مينورسو» التي تراقب وقف النار في غضون جمود الموقف السياسي، ولكن انفلات الوضع من السيطرة. ففي كل مأزق بهذه الحدة يُطرح السؤال عما سيُصبح عليه الوضع في حال نفض الأمم المتحدة يدها من التعاطي في نزاع عمّر طويلاً من دون أفق.
ليست المرة الأولى التي يعتلي فيها السؤال سطح الأحداث، ولن تكون الأخيرة طالما أن تباعد مواقف الأطراف المعنية يزيد اتساعاً، فقد طرح الاحتمال عبر مقاربات شملت خيارات عدة، من بينها ترجيح الحكم الذاتي أو العودة إلى الاستفتاء أو الجمع بين الصيغتين أو انسحاب الأمم المتحدة. ولم يكن الخيار الأخير مجرد تهديد لحض الأطراف على بذل جهود مضاعفة لإحراز التقدم المنشود. بل كان واحداً من خلاصات تعكس نفاد الصبر.
أهم إنجاز حققته الأمم المتحدة يتمثل في وقف النار الذي عززته شواهد دالة على طابعه الإستراتيجي والإنساني، لناحية عدم تعرضه لانتهاكات، على رغم صدور المزيد من التهديدات من جبهة بوليساريو حول معاودة حمل السلاح. ذلك أن وقف النار كان التزاماً إقليمياً بامتياز. ولولا أن المغرب قبل به كمنطلق للبحث في إرساء أسس سلام وأمن دائمين لما تمكن من الصمود. والحال أنه لولا مجاراة الجزائر هذا التوجه باعتبار عناصر بوليساريو يقيمون على أراض واقعة تحت نفوذها، لما تحقق ذلك، في حين أن الحياد الذي التزمته موريتانيا التي تؤوي أعداداً من المنتسبين إلى بوليساريو ساهم في الانتقال إلى صمت المدافع.
المشكلة في مقاربات التسوية السلمية لنزاع الصحراء أنها تبدو أقل استيعاباً لهذه الحقيقة الثابتة على الأرض. ذلك أنه مهما كانت أصناف الحلول المطروحة، سواء تلك التي جربتها الأمم المتحدة في مناطق النزاعات أو تلك التي لا زالت بعيدة من تناولها، لا يمكنها أن تقفز على حقيقة أن الشراكة في وقف الحرب لن تكتمل من دون امتداد حيوي، بنفس الروح والقناعة، على مستوى إقرار السلم.
إن فكرة الأطراف المعنية أو المهتمة كانت دخيلة على مراحل وأقطاب النزاع الذي يرجع في أصله وخلفياته إلى نزاع سياسي حول السيادة. كان قائماً بين المغرب وإسبانيا قبل انسحاب الجيش والإدارة الإسبانيتين من الساقية الحمراء ووادي الذهب. ومهما يكن من ملابسات ارتبطت بإقحام أطراف أخرى في الصراع، فإن فكرة البعد الإقليمي التي صيغت على قاعدة الطرفين المباشرين، المغرب وبوليساريو، والطرفين غير المباشرين، الجزائر وموريتانيا، كانت أقرب إلى تمثل الصورة.
إذا كان صحيحاً أن بواعث هذه المقاربة تعود إلى سبب أساسي يكمن في أن الصحراويين المعنيين بالتسوية يتوزعون بين المغرب والجزائر وموريتانيا، فالصحيح أيضاً أنه لا يمكن إلغاء هذا البعد تحت تأثير أي تطورات. يكفي للدلالة على ذلك أن العلاقة بين المغرب والجزائر تأثرت كثيراً بالخلافات القائمة إزاء الموقف من قضية الصحراء. ولعل الحالة الوحيدة التي تخطت فيها هذا الحاجز، كان من خلال إبرام المعاهدة التأسيسية لبناء «الاتحاد المغاربي» بخمس دول لا أقل ولا أكثر.
يعود الأمر في أساسه إلى بعض الانفراج الذي كان يعرفه ملف الصحراء، قبل أن ترتد المواقف على أعقابها، ويُضاف إلى ركام الخلافات المغربية - الجزائرية أصناف من التوجس والتباعد الذي وصل إلى مستوى إغلاق الحدود الذي يسري مفعوله منذ عقدين ونيف.
أن يتوصل المغرب والأمم المتحدة إلى صيغة لمعاودة استئناف بعثة «مينورسو» مهماتها لا يختزل إلا الصورة الظاهرة للمشكلة، في انتظار أن يصبح الشركاء في تكريس وقف النار، شركاء أيضاً في صنع السلم والاستقرار والتعايش والاندماج.