توابع الزلزال البريطاني

توابع الزلزال البريطاني

المغرب اليوم -

توابع الزلزال البريطاني

بقلم : محمد الأشهب

توجه الناخبون الإسبان إلى صناديق الاقتراع متأثرين بحدثين يتعلق أولهما بالصعوبات التي حالت دون تشكيل حكومة، في ضوء نتائج الاشتراعيات الأخيرة التي لم تسعف في بناء غالبية نيابية منسجمة. وينصرف ثانيهما إلى تداعيات الزلزال البريطاني لناحية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وبين الحالين ستتعمق فجوة الخلاف أكثر بين مدريد ولندن على مستقبل صخرة جبل طارق، بعد أن كان الموقف الأوروبي الجماعي يقلل من حدة المطالب المتباينة.
تتفاوت درجات الاهتمام بهذه القضايا في الساحة الإسبانية، لكنها في النطاق الأوروبي تطرح تحديات جديدة. وفيما ساد اعتقاد لجهة رسوخ خيار الوحدة الأوروبية الذي تطلب جهوداً مضاعفة وتضحيات مشتركة، صار في الإمكان توقع أي ميول داخل أوساط الرأي العام تعاكس هذه القيم التي أضيفت إلى ثوابت العقل الأوروبي. وطالما أن الناخبين في إمكانهم إحداث تغييرات فارقة، يصبح رصد تحولات المشهد السياسي في شبه الجزيرة الإيبيرية قضية أوروبية بامتياز، خصوصاً في حال اقتران الانسحاب البريطاني برغبة حكومة مدريد في انسحاب آخر من صخرة جبل طارق.
في العلاقة بين القضايا الثلاث يبرز المنحى الذي تتخذه قاعدة التصويت المتململة في بلدان القارة العجوز، خصوصاً على صعيد تنامي نزعات شوفينية تشمل اعتلاء اليمين الراديكالي مواقع لم يكن أحد يتصورها بهذه السهولة والانجراف، وظهور توجهات انفصالية بمبرر القطيعة مع مفاهيم السلطة المركزية وحتى نماذج الاستقلال الذاتي الموسع.
لقد مضت الدول الأوروبية قدماً في بلورة نظم حكم متطورة بمسوغات متقدمة في إلغاء هيمنة السلطة المركزية، ولم تكن بريطانيا بعيدة من هذا التوجه الذي بلغ ذروته في التجربة الألمانية وعلى مستويات تثبيت اللامركزية في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. إلا أن انفتاح الأبواب أمام الانسحاب من الاتحاد الأوروبي سبقته تحولات قد تؤدي إلى تصدع كيانات دول أوروبية داخل حدودها الطبيعية، من خلال تنامي دعوات الاستقلال والانفصال.
تتأثر جغرافية الانتخابات في إسبانيا بمجمل المتغيرات الصاعدة في بلدان أوروبية أخرى، مثل فرنسا والنمسا على سبيل المثال، ما أدى إلى ظهور موجة سياسية جديدة محافظة. بعضهم يُرجعها إلى انبثاق قوميات ظلت خامدة، وبعضهم يرهنها بمضاعفات الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالقلاع الأوروبية، فيما ينظر آخرون إلى تنامي المد اليميني كمؤشر إفلاس نظام اقتصادي وقيم فكرية ترقب التجديد الذي يكفل الرخاء والتعايش. فالحماس الذي قوبلت به موجات تدفق النازحين واللاجئين الفارين من جحيم الاقتتال، لا يخفي صعود موجة عدائية تحولت إلى شبه برامج انتخابية. إلا أن المنظور المتحرر الذي انطبعت به السياسة الألمانية تحديداً يكاد يشكل ظاهرة فريدة، ليس أقلها أن ألمانيا تخلصت من عقدة التقسيم، وأدمجت دولة قائمة الذات كان اسمها ألمانيا الشرقية في نسيج الوحدة الألمانية والأوروبية.
الأهم في توقيت ودلالات الانسحاب البريطاني، أن حلم الوحدة الأوروبية يبدو كأنه استنفد ضروراته، أو لم يعد يحمل الإغراءات ذاتها في أقل تقدير، وإلا ما الداعي لأن ينقلب الرأي العام البريطاني في اتجاه الانكفاء، بعد أن خرج معافى من تجربة استفتاء الاستقلال؟
ثمة سؤال يفرض نفسه بالنسبة إلى الطبعة الثانية من الاشتراعيات الإسبانية. هل من رابط بين الأزمة الحكومية التي حتمت العودة إلى صناديق الاقتراع واندفاع إقليم حيوي كبير مثل كاتالونيا وراء هاجس الاستقلال؟ وبالتالي هل يكون لفترة التأمل الأوروبي في ما حدث ما يعاود بناء جسور الثقة في خيار الوحدة، أم أن الانزلاق بدأ في اتجاه قد يدفع الأوروبيين إلى معاودة النظر في مستقبل القارة.
لن يمر الزلزال البريطاني من دون مضاعفات، فالاتحاد الأوروبي إلى ما قبل استفتاء انسحاب لندن، لن يكون هو نفسه بعد هذا الانعطاف. لكن التجربة الإسبانية كما البرتغالية، لم تعرف أوج ازدهارها إلا بعد إجازة انضمام مدريد ولشبونة إلى السوق الأوروبية المشتركة بعد مفاوضات عسيرة، في فترة لم يكن فيها انفتاح بلدان أوروبا الغربية على نظيراتها في المعسكر الشرقي قد تحقق. ولا يمكن الإسبان على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم أن يتنكروا لهذه الحقيقة، وإن كان المفعول السلبي للأزمة الاقتصادية قد جعلهم يترنحون تحت تأثيرها، بحثاً عن مخارج أقل كلفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توابع الزلزال البريطاني توابع الزلزال البريطاني



GMT 08:17 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

معنى استعادة سرت من «داعش»

GMT 08:15 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

لغة الإشارات بين المغرب والجزائر

GMT 08:14 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

عن التناوب الحكومي في المغرب

GMT 08:13 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التحالف الإسلامي ومواجهة «داعش»

GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya