بين «النهضة» و «العدالة والتنمية»

بين «النهضة» و «العدالة والتنمية»

المغرب اليوم -

بين «النهضة» و «العدالة والتنمية»

بقلم : محمد الأشهب

كما في حراك الياسمين الذي بدأ سلمياً من تونس، انطلقت هبة من «النهضة» الإسلامية تقطع مفهوم الحزب الديني والدعوي ليحل مكانه الحزب السياسي المدني الذي لا يمكن أن يتنفس خارج إطار التعددية الفكرية وقبول الآخر، من دون إقصاء أو استئثار أو احتكار.
المرجح أنه ما كان لهذه المحطة التي لا بديل عنها أن تفرض وعيها وضروراتها، وقد اكتست جرعة زائدة من النقد الذاتي، لولا غلبة العقل والمراس والواقعية. انبرت النهضة التونسية منذ البداية إلى اقتحام سلطة القرار التنفيذي من دون الالتفات إلى حضورها النيابي. وقبلت حلفاء الطريق على حساب الرفقة الإيديولوجية. وحين بدا لها أن الأرض تهتز تحت وطأة جيل آخر من الحراك انحنت أمام العاصفة، ثم تجاهلت حسابات الأرقام والمواقع عندما دخل «نداء تونس» نفق الأزمة.
تتغير المواقف والرؤى وفق الانتقال من موقع الى آخر، فالنظارات التي ترتديها الأحزاب حين تكون في المعارضة، ليست هي نفسها عندما تضع الأيادي على الجمر. والنظرة إلى الإشكالات الفكرية والسياسية لا تكون بدرجة التأثير نفسها، إلا عند ملامسة الواقع. أما حين تلهث وراء التموقع في صف المعارضة، فإنها نادراً ما تحسم في المواقف الجدلية.
الأحزاب الاشتراكية في البلدان الديموقراطية سبقت إلى تقديم نماذج بتحولات فارقة، فقد طرح الحزب الاشتراكي الإسباني عندما تحمل المسؤولية ما يشبه وفاق الأفكار التي تسمح بالتجديد وعدم التقيد بحرفية البرامج التي كان يطرحها من دفة المعارضة. والحال أن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران مكن حزبه من تعايش صمد طويلاً، حتى أن الاشتراكيين الفرنسيين صاروا اليوم أكثر اعتدالاً وانفتاحاً.
لا يماثل تجربة النهضة التونسية في الانتقال من الحزب الدعوي ذي الأذرع القائمة على الوعظ والإرشاد، غير «العدالة والتنمية» المغربي الذي يمكن القول إنه استشعر الرهان مبكراً. فقد رفع حزب رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران السقف عالياً في مواجهة احتمالات أي ارتداد على التجربة السياسية، وأعلن بصوت صريح أنه حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية في وقت بدأت تحوم فيه الشكوك حول استغلال الدين لأهداف سياسية.
لكنه استند في هذه المراجعة التي أتت في وقتها المناسب، على روح الإجماع السياسي الذي تبلور من خلال إقرار القوانين المنظمة للأحزاب. وشكلت الخطوة مبادرة إيجابية لناحية السعي إلى تحصين التعددية الحزبية والفكرية والسياسية. إذ لا يكفي أن تكون الوثيقة الدستورية تجاهر بحظر نظام الحزب الوحيد، بل لا بد من روافد قانونية وإجرائية تعزز إطار ومجالات التعددية. ما دفع المشرع إلى الإعلان بكل وضوح عن حظر تشكيل الأحزاب من منطلقات دينية أو عرقية أو لغوية أو قبلية.
بيد أن «العدالة والتنمية» المغربي لم يفعل ذلك في نطاق مجاراة منهجية التعددية فحسب، وإنما لكونه عانى من ضغوط وصلت إلى مستوى المطالبة بحله، على خلفية الهجمات الانتحارية التي كانت الدار البيضاء مسرحاً لها في السادس عشر من ايار (مايو) 2003. بمبرر التحريض على العنف والتطرف، لم يقتصر الأمر على حزب عبدالإله بن كيران بل امتد ليشمل أكبر تيار إسلامي في البلاد، ممثلاً في جماعة «العدل والإحسان» التي وإن جاهرت بتعرضها للحظر، فإنها رفعت شعارات ضد العنف والتبعية لأي تنظيم أو دولة خارجية، ويبقى أن مشكلتها ذات منحى يطاول مفهوم العمل السياسي الشرعي.
مهما كانت المعطيات متباينة بين التجربتين المغربية والتونسية، فإنهما يلتقيان عند محطة المراجعة الفكرية التي لا شك سيكون لها تأثيرها على آفاق العمل السياسي بالنسبة للحركات الإسلامية في بلدان أخرى. ولئن كانت تجربة حكم الإخوان المسلمين في مصر آلت إلى الانهيار جراء أخطاء واستقراءات غير موضوعية، فإن دروسها بدأت في التبلور في مناطق أخرى. أقله أن العمل الحزبي يظل قابلاً للنقد والتجديد، إذ ينطلق من قناعات مرجعية حول شيوع الحقائق السياسية بين الجميع، وليست حكراً على طرف محدد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين «النهضة» و «العدالة والتنمية» بين «النهضة» و «العدالة والتنمية»



GMT 08:17 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

معنى استعادة سرت من «داعش»

GMT 08:15 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

لغة الإشارات بين المغرب والجزائر

GMT 08:14 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

عن التناوب الحكومي في المغرب

GMT 08:13 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التحالف الإسلامي ومواجهة «داعش»

GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya