المغرب موالاة ومعارضة

المغرب: موالاة ومعارضة

المغرب اليوم -

المغرب موالاة ومعارضة

محمد الأشهب

الأفضل أن يذهب رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران إلى فصائل المعارضة، يطلب ودّها في الانضمام إلى حكومته، على أساس حد أدنى من الوفاق والتفاهم، من أن يدعها تفكر في أي وسيلة في متناول اليد لإطاحة سلطته التنفيذية. وبالقدر الذي يدرك أن عدم استمالة حزب معارض على الأقل لإكمال نصاب الغالبية النيابية، سيجعل الحكومة في كف عفريت... بالقدر ذاته الذي يعرف أن تجربة حكومته في إمكانها أن تستمر بعملية ترميم، تعاود بناء الأسوار الآيلة إلى السقوط. فلا شيء ينهي ولايته إلا طلب سحب الثقة أو تقديم الاستقالة. والأمران غير واردين الآن. قد تحرك حركة «تمرد» المغربية الناشئة هبات ونقاشات، لكن التجربة دلت إلى أن الفاعليات الحزبية، في المعارضة والموالاة على حد سواء، لا تميل إلى خلق الفراغ، ولا تريد أن ينفلت من أياديها زمام المبادرة. غير أن الصراع مهما زادت حدّته بين المعارضة والموالاة، فإن النخب الحزبية يحركها هاجس واحد، مفاده أن فقدان سيطرتها على المشهد السياسي لا يخدم مصالح أي طرف، وبالتالي فإن عراكها لا يصل إلى القطيعة التي قد تجعل الشارع يفقد الثقة في الجميع. من هذا المنطلق تبدو الصورة أقرب إلى تطبيع خاص بين المعارضة والغالبية، إذ في إمكان أي طرف أن يمد حبال الإنقاذ للآخر. في استقراءات وخيمة أن هامش الصراع بين المعارضة والموالاة لا يتجاوز سقف البيت الحكومي. فقد يميل إلى أقصى درجات التصعيد الذي تستخدم فيه كل الوسائل، لكنه لا يحيد عن إحصاء هفوات الحكومة والسعي الى إسقاطها أو لي ذراعها. كما أن الحكومات، مهما كانت متسلحة بالوعي الديموقراطي أو فاقدة له، فإن حدود تضييقها على المعارضة تظل محكومة بالحد الأدنى من احترام متطلبات الوجود. وبسبب هذه المعادلة استطاع المغرب أن ينجو من سقطات «الربيع العربي»، لأنه وضع مسافة بين الدولة المنطبعة بخصائص الاستمرار والحكومات القابلة للتغيير، ساعده في ذلك أنه أفاد كثيراً من تجارب دول أخرى في حروب الاستئصال والإقصاء. قبل أن يبزغ فجر الحركات الإسلامية التي اعتلت الواجهة على حشود الشارع، انبرى المغرب للإفساح في المجال أمام التطبيع مع الحركات الإسلامية ذات التوجهات المعتدلة. وساعده في ذلك كون بروز هذه الحركات لم يكن رهن الحراك العربي، بل سبقه بمعطيات انفتاح، ولا يزال ثمة جدل حول الإمكانات المتاحة أمام إشراك جماعة العدل والإحسان المحظورة في المشهد الحزبي والسياسي في حال التقت التنازلات عند منتصف الطريق. لذلك حين تأتى لحزب «العدالة والتنمية» أن يحوز مركز الصدارة في الاستحقاقات الاشتراعية ويقود الحكومة المنبثقة منها، لم يكن الأمر مفاجئاً أو جديداً على المغاربة، فقد تدرجوا على تطبيع سلس، لا مكان فيه لمشاعر التوجس، إلا بالقدر الذي تنحرف الممارسات عن مقاصد التدبير العقلاني للشأن العام. يعود الأمر في جانب آخر إلى تأثير الممارسة السياسية. وعلى رغم أن التعددية السياسية التي أقرها أول دستور مغربي العام 1962 كانت ناقصة وأشبه بفرض هيمنة تيار موالٍ على حساب فصائل الحركة الوطنية، فإن التدرج الذي رافق فترات ترسيخ الوعي الديموقراطي أسعف في إقامة إطار للبناء ترك لمظاهر التطور والانفتاح أن تملأه. وهو المرجعية الدستورية التي تكون الملاذ في الحسم في أنواع المنازعات. وإذ لا يجادل المغاربة في كيفية شغر فراغ دستوري لا وجود له، وعلى رغم كل الأزمات ومجالات الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي عرفه تاريخ الصراع السياسي الحديث، فإن إقرار الدساتير كان يتم عبر التصويت بالرفض أو المقاطعة أو الدعم. ولعل هذا التقليد مكّن التجربة المغربية من أن تنحو في اتجاه مغاير. فربيعها لا يشبه ربيع الآخرين، كما أن خريفها لا يميل دائماً إلى الصفرة والذبول. لأنه يمكن أن يكون خريف حكومة وليس نهاية دولة. بهذا المعنى يصبح انهيار حكومة أو سقوطها مجرد حالة عابرة. لأن ذلك لا يرتبط بسقوط خيار أو إنهاء وجود تيار، بل بمعادلات كيماوية تشترك فيها أحزاب عدة. وحين يلتفت إلى ظاهرة استعصاء حيازة أي حزب على الغالبية المطلقة، يفهم لماذا تبدو بعض المعطيات ذات أهمية خاصة، ففي الحاجة إلى إشراك فعاليات أخرى ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الحكومات يمكن ان تكون مستهدفة من خصومها، أما الأحزاب لذاتها فذاك عنوان محظور .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب موالاة ومعارضة المغرب موالاة ومعارضة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya