عن حكومة الوحدة الوطنية في تونس

عن حكومة الوحدة الوطنية في تونس

المغرب اليوم -

عن حكومة الوحدة الوطنية في تونس

بقلم : محمد الأشهب

ارتبطت دعوات تشكيل حكومات وحدة وطنية بمنعطفات حاسمة في تاريخ الدول. أكانت في شكل أزمات اقتصادية خانقة، أو لدى مواجهة أخطار خارجية تهدد كيانها. والأهم من تجارب كهذه أن منسوب الخلافات بين الغالبية والمعارضة يتضاءل أمام ضرورات الوفاق في التعاطي مع الإشكالات المتنامية. بل إنه يحتم إرجاء الملفات الخلافية إلى حين وضع البلاد على قاطرة سكة الانطلاق.
هل وصل الوضع في تونس إلى الحد الذي لم يعد يحتمل استمرار الجدل بين المكونات الحزبية والنقابية، بالنظر إلى تعاظم تحديات الأمن والاستقرار والخروج من نفق الأزمة؟ في المحصلة يبدو الأمر مقلقاً قياساً إلى حجم الانتظارات التي هيمنت على الشارع التونسي. فالثورة التي خلصت البلاد من الاستبداد لم تصنع الربيع الذي كان معولاً عليه في إحداث التغيير المنشود الذي يلامسه الرأي العام في منظومة علاقات إنتاج جديدة.
لئن كانت الخطوات الأولى في تحرير العقول أثمرت نقاشات حيوية أظهرت تشبع الشارع بقيم الحرية ومفاهيم التعددية ومجالات تصريف الاختلاف بروح بناءة، فإن التركة الثقيلة التي كان يتم إخفاؤها بقوة القبضة الحديد، كانت أكبر من التغلب عليها بالنيات الحسنة. ذلك أن أي سلطة تنفيذية مهما أوتيت من كفاءات وتطلعات تظل في حاجة إلى أدوات طيعة لتنفيذ سياسات طموح تحقق درجات عالية من الإشباع، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالانتقال من حماسة الثورة إلى مستلزمات بناء الدولة.
كان الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة في فترة الاندفاع يردد أمام محاوريه من المسؤولين: إن كنتم تريدون تحقيق خطة عمل خلال ثلاث أو خمس سنوات، فالأفضل أن نمنحها الوقت الكافي، وليكن ضعف الزمن المقترح، عسى أن نتبين أخطاء التقديرات. مثله دأبت زعامات على نهج أسلوب التدرج، لولا أن بعض الأخطاء تصبح قاعدة في التدبير.
الراجح في ضوء دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، أنه يرغب في اعتماد صيغة الإفادة من الزمن. فالتراكم الحاصل بين تجربتي الترويكات والرباعية لم يكن كافياً لاستخلاص مشروع بناء متكامل. ولا يمكن أي ديموقراطية ناشئة أن تقفز على الحقائق الكامنة على الأرض، خصوصاً إذا كانت من نوع التحديات الأمنية التي تهدد الاستقرار. ما يعني أن مهمة الحكومة المقترحة تتجاوز إشراك المعارضة نحو تعزيز الجبهة الداخلية.
قد يكون السبسي يتوخى من وراء ذلك هدفاً مرحلياً تتأسس حوله ومن خلاله مبادرات وفاقية لإخماد اليأس. كما قد يكون رغب في احتواء أزمة «نداء تونس» لجعلها أقل معادة للإحباط. فالحزب الذي بلور مشروعاً أهله لحيازة الصدارة في الاشتراعيات الأخيرة، قبل أن يتعرض إلى انشقاق، في إمكانه أن يظهر بوجه جديد، أقله عدم التقيد بحرفية الإعداد ومستويات الحضور النيابي.
استطاع حزب «النهضة» احتواء جانب من الانتقادات التي كانت توجه ضد انكفاء مرجعيته، وظهرت المركزية النقابية، الاتحاد العام، أكثر قدرة على الجمع بين الوجهين النقابي والسياسي، وبات صعباً على المعارضة ألا تتحرك بدورها في اتجاه انفتاح متبادل، ما دامت تدعو إلى تجاوز أسباب الفشل التي أغرقت التجربة السياسية في تناقضات عدة.
في النهاية سيكون الباجي قائد السبسي أبان عن تطور نوعي في المقاربة السياسية، فهو يكاد يقول بصريح العبارة أن الحمل ثقيل، وليس لأحد أن يتهرب من الاضطلاع بمسؤولياته في التخفيف من الأعباء. وسواء ضغطت مبادرته كنوع من الالتفاف على الإقرار بالعجز حيال الاستجابة لطلبات الشارع، أو فهمت كمنهجية في تقسيم المسؤوليات، بالنظر إلى دقة المرحلة، فإن الانكباب على ممارسة الإصلاحات من الداخل أفضل منها، عبر الاكتفاء بالانتقاد من الخارج.
من أجل معاودة بناء الثقة في التجربة السياسية التي صمدت من بين غيرها من التجارب المماثلة، لا بأس في اختصار طريق الديموقراطية، إذ تصبح وفاقية في التدبير المرحلي، على أمل الخروج من النفق. وقتذاك يمكن الاختيارات أن تتباين كما في أنماط السلوك بين الغالبية والمعارضة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن حكومة الوحدة الوطنية في تونس عن حكومة الوحدة الوطنية في تونس



GMT 08:17 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

معنى استعادة سرت من «داعش»

GMT 08:15 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

لغة الإشارات بين المغرب والجزائر

GMT 08:14 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

عن التناوب الحكومي في المغرب

GMT 08:13 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التحالف الإسلامي ومواجهة «داعش»

GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya