في معاني استهداف باريس

في معاني استهداف باريس

المغرب اليوم -

في معاني استهداف باريس

محمد الأشهب

أخطر الهجمات الإرهابية التي يكون مصدرها داخلياً، وليس قادماً من الخارج. وبينما يصعب الفصل بين تشابك البواعث، طالما أنها ذات خلفيات عدائية ترفض الآخر وتهدر دمه وتستبيح كرامته، تصبح الحرب على الإرهاب من الداخل أكثر أهمية وإلحاحاً، وإذا كان في متناول اليد فرض إجراءات رقابة متشددة في المطارات والموانئ والمعابر، فإن فرضها على العقول، بمنطق الإقناع يرتدي بعداً تربوياً واجتماعياً لا بديل منه في إشاعة قيم التسامح والتعايش ونبذ الأحقاد والكراهية.
إلى أن تكشف التحقيقات الأمنية والقضائية ملابسات وجود «جيش إرهابي» يضرب بحقارة وبغض في قلب باريس، ويطاول رموزاً ثقافية ورياضية تجسد مظاهر التسامح والمنافسات الشريفة، يبدو الاستهداف المقيت مبرمجاً على إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا الأبرياء. وهو الأسلوب نفسه الذي تستخدمه «داعش» في إلحاق القتل والأذى بتجمعات الأسواق الشعبية والمزارات الدينية والمآثر الحضارية. عدا أنه في الحالة الفرنسية متلاحقة الأمواج يركز على رمزية باريس، وليس غيرها من المدن، في ظل فرضيات اليقظة والحذر.

وعندما يقول الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إن بلاده في حرب في مواجهة جيش إرهابي، إنما يحدد معالم مجابهة غير متكافئة، لا تخضع لمعايير الحروب النظامية أو قتال العصابات في المدن والأدغال، كونها تستهدف المدنيين العزل والرموز الحضارية. وبالتالي فهي قابلة لأن تقع في أي لحظة وأي مكان، في حدود مؤشرات الاستهداف التي ليست لها قضية أو فكرة أو رسالة، غير إشاعة الخوف والترهيب وإذكاء غرائز وحشية مدانة، شرعاً وقانوناً وأخلاقاً.
هل يختلف ليل الجمعة الأسود في باريس عن الأعمال الإرهابية التي كانت «شارلي إيبدو» ومتجر الأغذية اليهودي مسرحاً لها، أم أنه امتداد لها في شكل آخر؟ في المحصلة أن طرق الإجراءات التي تداعت بلدان الاتحاد الأوروبي وحلفائها لإقرارها للحد من مخاطر الهجمات الإرهابية المحتملة، لم تحرر المجتمع الفرنسي وغيره من منسوب القلق المتزايد، ما يعني ضرورة التفكير في منظومة أكثر فعالية ونجاعة للحد من استشراء الظاهرة الإرهابية.

إنه لأمر مثير فعلاً أن تكون أنواع الشرور كافة التي ألصقها المنظور الايديولوجي بالمعسكر الشيوعي إبان فترات الحرب الباردة آلت إلى انهيار قلاع وحصون كانت تشكل رموز الوجود السوفياتي بترسانته العسكرية ومراكز نفوذه السياسي، فيما أن ما اصطلح على تسميته دولة «داعش» ذات المرجعية الضالعة في ذروة الأعمال الإرهابية، لا تزال تمارس عنفها واستقطابها من دون رادع حقيقي. وإذ يقول هولاند إن الأمر يتعلق بجيش إرهابي، فالإحالة لا تذهب إلى غير مشروع «داعش» المنبثق من رحم أزمات إقليمية متشابكة.

في وقت يبدو جلياً أن التنظيمات الإرهابية، على اختلاف نعوتها ومشاربها، تتعاون في ما بينها وتتحالف عبر مكوناتها في ترسيم أهداف عدوانية ضد كل ما يمت بصلة إلى كل ما هو حضاري وإنساني، لا يزال الغرب تحديداً موزع الاعتبارات والاستقراءات، بين من يراهن على طول أمد حرب الاستنزاف وبين من يكتفي بموقع المتفرج، وبين من يخوض حربه لفائدة قراءته الخاصة.

المفارقة في تمدد الظاهرة الإرهابية أنها لا تستثني عقيدة أو دولة أو منظومة، وفي قوائم ضحاياها الأبرياء يأتي المنتسبون إلى العالمين العربي والإسلامي في المقدمة. بما يصنفها في خانة العداء المتحكم ضد الجميع. ولعل أهم استخلاص في هذا النطاق أن التوصيفات التي حاولت التركيز على الأبعاد الدينية والعرقية للظاهرة عابرة القارات والحدود جانبت الحقائق، أو أنها استسلمت لتصنيفات غير موضوعية.
حين تكون الأرض التي ترزح تحت وطأة الإرهاب عربية، ويكون الإنسان الذي يُهدر دمه عربياً، وتكون المعالم الحضارية التي تهوي عليها معاول الهدم عربية، فإن ذلك يعني أن العرب والمسلمين أكثر معاناة من مخاطر الظاهرة. ويبقى فقط أن توجه البنادق والأفكار إلى حيث تنبعث الأخطار التي تهدد الجميع.

  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في معاني استهداف باريس في معاني استهداف باريس



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya