عودة ضرورية للعلاقات المغربية  الفرنسية

عودة ضرورية للعلاقات المغربية - الفرنسية

المغرب اليوم -

عودة ضرورية للعلاقات المغربية  الفرنسية

محمد الأشهب

عندما يتحدث وزير الداخلية الفرنسي السابق شارك باسكوا عن التأثير السلبي لتعليق التعاون الأمني بين بلاده والمغرب، بسبب تداعيات أزمة لا يعرف مبرراتها، فإنه إنما يشير إلى مكامن الخلل التي قد يتسلل عبر شقوقها كل من يسعى إلى تدويل الهاجس الإرهابي ونقل معاركه من منطقة إلى أخرى.

بكل المعايير والاستقراءات، فإن استهداف فرنسا وقيم جهوريتها المرتكزة على العدل والقانون ودولة المؤسسات، ليس أكثر من مقدمة جرى التنبيه على نطاق واسع إلى سعارها الملتهب الذي سيقفز من بؤر التوتر إلى المحيط الأقرب والأبعد. أي أن العالم المتحضر برمته كان مستهدفاً من خلال تلك الهجمات، كونها تختلف عن سابقاتها في العزف على وتيرة المشاعر، بأسلوب همجي مدان قانوناً وشرعاً وأخلاقاً.

بيد أن الإقرار بأن التنسيق الأمني الذي كان يطبع مجالات التعاون في «الحرب على الإرهاب»، يتجاوز البعد الثنائي وأنواع الخلافات التي يمكن أن تعترض مسار أي علاقات لأنه جزء من إرادة دولية لا تستثني أي دولة، بصرف النظر عن دورها السياسي وحجمها الاقتصادي ونفوذ تأثيرها الإقليمي، من جهة لأن الأمر يتعلق بمنظومة دولية متشابكة تحتم الانخراط الإيجابي للدول والمجتمعات كافة، على اختلاف مشاربها وتباين خياراتها وخصوصياتها، ومن جهة ثانية لأن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة تصبح المستفيد الرقم واحد من أزمات كهذه. وإن لم يكن تأثيرها كبيراً، فإنها تضعف صلابة جبهة التنسيق التي تعتبر الصخرة التي ينكسر عليها المشروع الإرهابي، سيما أن التنظيمات المسلحة كشفت توجهات في التنسيق بين مكوناتها، على رغم بعد المسافات، طالما أن مرجعية التدمير واستهداف قيم التعايش تظل واحدة.

ولأن أي دولة لم تعد بمنأى عن الاكتواء بالنيران الملتهبة للظاهرة الإرهابية، فإن خيار التعاون الشامل يفرض نفسه فوق كل أشكال الحزازات، ليس لأنها عابرة وقابلة للاحتواء فقط، ولكن لأن أخطار التمدد الإرهابي سرعت من وتيرة التلاحم والانصهار في معركة واحدة يخوضها الغرب والعالم العربي والإسلامي بروح متضامنة.

وبعد أن كانت الشكوى تقتصر على العلاقات بين دول الشمال الأفريقي التي لم تفلح في إيجاد أرضية وفاقية لبناء تعاون أمني وسياسي يطاول الانخراط والتضامن والانسجام في الحرب على الإرهاب، باتت المعضلة تنسحب على محور العلاقات مع الشريك الأوروبي المحوري لدول المنطقة متمثلاً في فرنسا ذات النفوذ التقليدي في الفضاء المغاربي، أقلّه أن علاقاتها والرباط تراجعت بفعل خلافات كان في الإمكان تجاوزها بقدر أقل من مراعاة الأعراف المرعية.

فقد أبدى وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار استغرابه إزاء عدم قيام باريس بفعل ما كان يجب لتلافي تدهور العلاقات مع الرباط. قد يصنف التصريح على أنه جزء من حوار العتب الذي يأتي بعده الانفجار. وسواء نحت العلاقات في اتجاه تطويق الأزمة أو الإبقاء على مظاهرها البادية في تعليق مجالات التعاون القضائي والأمني، فالمسألة تطرح نفسها من زاوية الضرورات التي لا عذر لأي طرف في وضع الحواجز أمام معاودة انبثاقها.

بيد أن تزامن هذه التطورات وإقدام السلطات المغربية على حظر توزيع مطبوعات فرنسية عرضت الرسومات المسيئة إلى الرسول الكريم محمد عليه الصلاة السلام، لا يجب أن يرتد إلى ما هو أبعد من الإجراءات الاحترازية التي تندرج في صلب ممارسة السيادة، ذلك أن التزام حرية التعبير والمعتقد والانتماء شيء واستفزاز المشاعر شيء آخر، خصوصاً أن الجراح التي أحدثتها الهجمات الإرهابية في فرنسا تتطلب توسيع نطاق التضامن والاستنكار وشجب الأعمال الإرهابية، أياً كانت بواعثها. وبالتالي يصبح تطويق مضاعفات الأزمة، ثنائياً أو على مستوى ربط حرية الصحافة بالمسؤولية الأخلاقية واحترام المشاعر الدينية لكل الشعوب والأمم، من قبيل تلك الضرورات.

لا يبدو التوقيت سانحاً لجدل فكري وقانوني وسياسي. ذلك أن هدر أرواح الأبرياء، خصوصاً حملة مشعل الصحافة والتنوير الفكري قطع مع كل أشكال النقاش. وإن كان الراجح أن الفاعلين المتورطين أشخاصاً وتنظيمات يتحملون وحدهم مسؤولية ما اقترفوه من جرائم ضد الإنسانية. وفي قضية العلاقات المغربية - الفرنسية، يفترض ألا يطغى نقاش الحظر على إغلاق بوابة المستقبل التي لا يمكنها إلا أن تنفتح أمام مبادرات عودة الوئام والتنسيق، وإن تعطلت آليات التسريع.

في صورة أقرب أن إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر ألغى فرص التعاون والتنسيق الأمني والسياسي. وليست منطقة الشمال الأفريقي في وارد إضافة إغلاق حدود من نوع آخر، فقد تنسد الآفاق، لكن العقول المنفتحة تقتحم الأسوار. ولن تكون الخلافات المغربية - الفرنسية الأولى أو الأخيرة التي يعود بعدها الوئام، أقله برسم الانخراط في حرب لا هوادة فيها ضد الإرهاب والتطرف والانغلاق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة ضرورية للعلاقات المغربية  الفرنسية عودة ضرورية للعلاقات المغربية  الفرنسية



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya