بقلم : أمينة خيري
العالم كله أصبح متصلًا بشبكة الإنترنت ومنصاتها وتطبيقاتها التى لا تعد أو تحصى. والعالم كله ينتقل بسلاسة من قرن إلى آخر ومن عقد إلى ما يليه دون هذا الكم من وجع الدماغ والقلب الذى يداهمنا. والكوكب يزخر بالأجيال الجديدة دون أن يستيقظ العالم ذات صباح على جيل منفلت لا قواعد توجهه أو سلوكيات تهذبه أو أخلاقيات تصقله. لماذا إذن نعانى صدمات متتالية متمثلة فى تصرفات وحوادث وأحداث أقل ما يمكن أن توصف به هو «الكارثية»؟ طفل ثرى عديم التربية منعدم الأخلاق يقود سيارة والده وحين يتم إيقافه، يمعن فى قلة الأدب ويتوغل فى سلاطة اللسان، ولا يكتفى بذلك بل يسجل فيديو يخبر به العالم أن البقاء للانفلات والرداءة. هكذا تربى فى البيت. طفل يقود توك توك لا يجد حرجًا أو ردعًا فى أن يخدش سيارة تقودها امرأة لمجرد أن يخبرها أنها مجرد أنثى ضعيفة، هكذا تربى فى البيت. أطفال يصرخون ليل نهار فى حديقة بين عمارات سكنية، وحين يعترض أحد السكان يردون بعلو الصوت «مالكش دعوة. خش انت جوه»، هكذا نشأوا فى بيوتهم. طفلان أقل من 18 عامًا يغتصبان طفلة لا تتعدى السادسة من عمرها ثم يقتلانها ويتخلصان من جثمانها. طلاب مدارس إعدادية وثانوية لا يجدون حرجًا أو عيبًا فى أن يخاطبوا بعضهم البعض بأقبح الألفاظ وحين تعترض سيدة تمشى مع طفلتيها، يمطرانها بما هو أقبح وأبشع. والأمثلة كثيرة ومتتنوعة. لا نطالب بمجتمع ملائكى كامل الأوصاف، ولكن نطالب بالبحث فى مفهوم التربية فى أسرنا. وحيث إن البعض يتفنن فى القفز إلى مقولة إن العائلات الفقيرة لا يمكن محاسبتها على طريقة تربيتها لأبنائها بسبب العوز والقحط، نقول إن ملايين العائلات الأفقر والأكثر عوزًا فى مجتمعات أخرى تربى أبناءها وتقومهم، أو تتخذ قرارًا بالاكتفاء بطفل أو طفلين حتى تخرج من دائرة الفقر. وحيث إن البعض الآخر يتحجج بأن الأطفال عديمى التربية غالبًا ينتمون لعائلات ثرية ترى فى الإغداق على الصغار بالمال بديلًا عن التربية والتقويم، نقول إن هناك الكثير من أبناء الأثرياء ونصف الأثرياء وربعهم يغدقون على صغارهم بالتربية السليمة والتنشئة القويمة. المعضلة تكمن فى وهن قيمة الأسرة بشكل عام. الشباب يتزوجون لأن عليهم أن يتزوجوا، وينجبون لأن الإنجاب سنة الحياة ولأن هذا ما وجدوا عليه آباءهم. لكن لماذا نتزوج؟ أو لماذا ننجب؟ أو كيف نجتهد ليكون أبناؤنا أشخاصًا صالحين فهذه أسئلة غالبًا لا تطرأ على بال كثيرين. كثيرون باتوا ينجبون من منظور أنه «التطور الطبيعى للحاجة الساقعة». الإنجاب ليس عملية أوتوماتيكية بل هو قرار تكتيكى. والتربية لا تتم فى الشارع أو فى الجنينة، لكنها منظومة قائمة بذاتها. والتدين المظهرى واللفظى ليس بديلًا عن الغلط والصح. «علينا أن نربى ولادنا».