بقلم : أمينة خيري
الاتساق مع الذات وتناغم الأفكار وتواؤم المعتقدات والأيديولوجيات يقينا شرور الهبد على الفاضى والرزع دون داع. وحين يجتهد الواحد منا ويبذل الجهد الجهيد لاكتشاف نفسه والتنقيب عن ذاته والتعرف إلى قدراته ما ظهر منها وما بطن، ما هيئ له أنه يمتلكها وما لم يعرف أنها فى حوزته هو أقرب ما يكون إلى الاستثمار الإيجابى فى ذاته، فلا يسخر منه أو يقلل من شأنه أحد. ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه. وهذه الأيام وبينما نحن- سكان الكوكب- مقبلون على لقاحات لوباء كسر شوكة البشرية على مدار نحو عام، حرىٌّ بنا أن نتمهل ونتدبر ونتفكر قبل أن نفتح صدورنا وندخل فى مواجهات ربما تكون قلتها أحسن أو تأجيلها أفضل. الدعوات المطالبة بمقاطعة منتجات دولة تعتنق مفهوما مغايرا لما نعرفه عن حرية التعبير، أو أخرى تساند منهجا استعماريا بدأ بالأرض ورسخ نفسه بالعلم والمال والقوة والسياسة، أو ثالثة لا ترى عيبا أو مانعا يحول دون انتقاد أو السخرية من المقدسات عليها أن تتمهل قليلا وتهدئ من أدرينالينها وتراعى صحة أحبالها الصوتية قبل أن تجد نفسها متهمة بازدواجية المعايير أو لا سمح الله النفاق أو ضيق ذات القدرة والقوة. علينا أن نتفق أولا فيما بيننا: هل نقاطع مقاطعة حاسمة شاملة كاملة؟ أم نقاطع نص نص؟ أم نقاطع كده وكده؟! بمعنى آخر، فى حال وجدنا أنفسنا أمام لقاح ساهم فى ابتكاره أو تصنيعه أو تمويله أشخاص ينتمون لهذه الدول ويعتنقون فكرها الذى نعتبره مرفوضا ممجوجا ملعونا، هل نقاطع اللقاح أم نعمل نفسنا من بنها ونأخذه؟ وماذا لو اكتشفنا أن من بين من ساهموا فى الابتكار والتصنيع والبحث يهود أو غير مسلمين أو أى من الفئات التى يصنفها البعض تحت بند «القردة والخنازير»؟ هل نتصالح معهم بصفة مؤقتة حتى نبرم صفقة اللقاح؟ أم نصر على موقفنا الرافض ونقاطع ونمانع؟ وعلينا أن نخطط كذلك لتلك اللحظة التى قد نعرف فيها أن فرق ابتكار اللقاحات تحوى بوذيين وهندوسا وملحدين، كيف نتصرف؟ وإن نحن وجدنا أنفسنا مضطرين للتغاضى عن المقاطعة أو قصرها على منتجات الألبان والسمن، هل لدينا ردود مقنعة لأطفالنا سليطى اللسان ممن لم يخضعوا بعد لعمليات إخصاء الأدمغة، والذين قد يسألون عن الفرق بين الجبنة الممنوعة عقابا لمصنعيها واللقاح المتاح رغم أن المُصْنِّع واحد؟ نحن نطالب- أو بالأحرى نطلب- تحرى العدالة فى الحصول على اللقاح، لكن هل من نطلب منهم ملزمون بالإذعان؟ إذا كانت الإجابة بنعم لأن ذلك من بديهيات الإنسانية، فهذا سيضعنا فى موقف صعب لأن تعريف الإنسانية متنازع عليه. وإذا كانت الإجابة بلا، ليسوا مطالبين بالإذعان، فهذا يعنى أننا بدأنا ندرك أننا لا نعيش وحدنا على ظهر الكوكب ونقيم قدراتنا بشكل أدق ونخضع كلامنا لقدر أوفر من العقلانية.