بقلم : أمينة خيري
ما المستقبل الذى ينتظر كل هؤلاء؟!، وما شكل الحاضر الذى يعيشه الصبية والشباب والرجال الذين يصارعون فى شوارع المحروسة بهذا الكم الرهيب من التكاتك؟، وهذه الملايين من الباعة الجوالين وبائعات الخضروات وعمال اليومية ممن يضمنون عمل اليوم ويبقى رزق الغد فى علم الغيب، كيف يخوضون حياتهم؟!.. هذه وأسئلة أخرى كثيرة تفرض نفسها ما إن تشتبك مع الحياة فى أى شارع أو حى فى مصر. يتناولها البعض من منظور «رزقك على الله». ويتناولها البعض الآخر من منطلق «ماحدش بيبات جعان» وفى أقوال أخرى «ماحدش بيموت من الجوع». ويصر آخرون على اعتبار مجرد طرح هذه الأسئلة تدخلًا فى إرادة الله، فـ«العيل بييجى برزقه».
وحيث إنه ثبت بالحجة والبرهان ليس فقط كذب هذه المقولة وخرافتها، بل إن العيل بييجى برزق آخرين ويكبر وينشأ على قفا ميزانية الدولة، وحين تعجز ميزانية الدولة عن الاستمرار فى تمويل هذه العملية يتم ترك الحبل على الغارب كنوع من ضمان السلم الاجتماعى. وليس خفيًا على أحد أن ترك هذا الكم من التكاتك المارقة، والتروسيكلات الخارقة وأصحاب فرشات البضائع على الأرصفة والسياس المستولين على الشوارع وجيوش المتسولين والمتسولات وغيرها من الأنشطة العشوائية وغير القانونية- هو «مسكنات» موضعية لأمراض مستفحلة يستحيل حلها بين ليلة وضحاها. إنه الحل «السهل» لتأجيل انفجار القنبلة.
لكن القنبلة تأبى إلا أن تتوحش وتتوغل. والتغاضى عن الأيديولوجيا الشعبية التى يجرى تغذيتها عبر مدارس فكرية دينية تُرِكت حتى استفحلت وتمكنت من عقول الملايين هو الطريق المضمون نحو إسقاط الدول عبر تسليط أهلها عليها. وللعلم والإحاطة فإن عملية الإنجاب دون هوادة وتوريث الفقر والجهل من جيل إلى آخر ظنًا من الأهل أن رؤوس الأموال البشرية التى يجرى ضخها فى سوق الاقتصاد بالغ العشوائية من تكاتك وفرشات أرصفة يباركها ويدافع عنها، بل يدعو إليها كثيرون ممن نشأوا فى كنف النسخة المشوهة من الدين التى هيمنت على مصر فى العقود الخمسة الأخيرة. أى مستقبل يتنظر سائق التوك توك ابن الـ13 عامًا اليوم؟؟.. أغلب الظن أنه سيعيد إنتاج نفسه مرارًا وتكرارًا ظنًا منه أن هذا هو النموذج الوحيد المتاح للإنسان.
الإنسان لا يحتاج فقط إلى أكل وشرب وملابس تستر عوراته وبضعة جنيهات يعود بها إلى البيت فى نهاية اليوم. والترويج الدينى والثقافى لهذا النموذج باعتباره الأقرب والأحب إلى الله هو ضحك على الذقون بالذقون. الفقر ليس عيبًا، لكن العيب كل العيب أن يتم تزيين الفقر باعتباره ملجأ الطيبين والمتدينين والموعودين بالجنة. والعيب كل العيب أن يتم وصم من يطالب بكسر دائرة الفقر ووضع سياسات فعلية وتفعيل قوانين وشن حملات توعية بأنه يحول دون مفاخرة النبى (ص) بنا يوم القيامة. المفاخرة بنا يستحيل أن تكون بـ«الكم»، بل بـ«الكيف».