بقلم : أمينة خيري
شئنا أو أبينا، أشدنا أو استنكرنا، أيدنا أو عارضنا صارت المنصات الرقمية قوة عظمى فى عالمنا المعاصر. والمنصات الرقمية ليست مجرد مقطع لحمو بيكا يحصد مليون مشاهدة فى سويعات، أو فتيات يؤثرن على أقرانهن ببوز البطة ووقفة القردة، أو مواقع خبرية تحاول اللحاق بسوق الترند فتغرق فى أخبار تنافس الصحافة الصفراء فى ضحالتها والمؤثرين والمؤثرات فى السوشيال ميديا باختياراتهم الفردية لسبل التأثير حتى ولو كانت قاتلة. المنصات الرقمية صارت منافساً للإدارة والإرادة فى دولة مثل أمريكا. وأصبحت وسيلة لمواجهة البطالة فى زمن وباء كالذى نعيشه. وتحولت لتكون مقصلة إعدام لمن يصدر فى حقه حكم شعبى بالموت أو ساحة تصنع الأبطال لمن يقرر البعض أنه يستحق البطولة. لم تعد المنصات الرقمية وأثرها عنواناً لمؤتمرات يشارك فيها باحثون بأوراق عن تقنيات هذه المنصة وإمكانات تلك. كما لم تعد منتجاً يقرر نظام ما أنه فى غنى عنه أو أنه قادر على ضبط وربط المحتوى. صارت المنصات الرقمية أكبر وأشمل وأعم من كل ما سبق. مر خبر وقوف رئيسى «فيسبوك» و«تويتر» مارك زوكربرج وجالك دورسى أمام مجلس الشيوخ الأمريكى للمرة الثانية خلال ثلاثة أسابيع مرور الكرام. لكن الخبر دال وهام. إنه يذكرنا بأن المنصات الرقمية صارت قوة عظمى، وربما قوى عظمى تتناطح وتتصارع فيما بينها قريباً. ولندع الصراع الرقمى المستقبلى جانباً الآن، ويكفينا ما نحن فيه من تغير لموازين القوى وانتقال اليد العليا للكوكب من دول وأنظمة واقتصاد وسياسة ونووى إلى تطبيقات ومنصات. صحيح أن القوى المادية مازالت تتحكم فى مصائر ومجريات، لكن المرحلة الحالية هى مرحلة المناطحة بين القوى التقليدية من عتاد عسكرى واقتصاد قوى وأنظمة سياسية مهيمنة من جهة وبين القوى الجديدة حيث العتاد الرقمى والاقتصاد الافتراضى والسيطرة على الأنظمة السياسية القوى منها والضعيف. والمناطحة الحالية ليست فقط قدرة المنصات الرقمية على التأثير على المستخدمين، أو صناعة رأى عام، لكنها تكمن فى قدرتها على اللعب بكل ما سبق أو السيطرة عليه. والحقيقة أن وثائقى «المعضلة الاجتماعية» أو The Social Dilemma المتاح على عدد من تطبيقات المشاهدة مثل «نتفليكس» ليس وحده سبب تسليط الضوء على ما نحن مقبلون عليه من تغير فى موازين القوى. لكنه (الوثائقى) مجرد منبه أو مذكر لما نغوص فيه بكل قوة. التحكم المتسارع والمتزايد للمنصات الرقمية فى تفاصيل حياتنا أصبح واقعًا يعيشه الكوكب دون إرادة فعلية منه. ومن يظن أنه سيحجب منصة هنا، أو يمنع تطبيقاً هناك، ومن ثم سيحمى نفسه أو نظامه أو شعبه، هو واهم وغير فاهم. المسألة أعمق من ذلك بكثير وتحتاج إيجاد سبل تعايش وليس تناحرا.