بقلم : أمينة خيري
انعقاد منتدى دبى للإعلام هذا العام فى دورته الـ19 افتراضيًا له دلالات عديدة. المنتدى صنع لنفسه على مدار العقدين الماضيين مكانة الصدارة إقليميًا، كما أصبح معروفًا عالميًا بأنه قبلة العاملين فى الإعلام العربى والمهتمين به فى الشرق والغرب. وحين ينعقد منتدى بهذه المكانة، التى لم تكتفِ بأن تكون مكانة إعلامية، بل اكتسب صبغة استراتيجية وأهمية سياسية، «أون لاين»، فهذا علامة شبه مؤكدة على أن المستقبل ليس كالحاضر وأبعد ما يكون عن الماضى. ومن داوم على المشاركة فى أعمال المنتدى الذى ينظمه نادى دبى للصحافة سنويًا، والذى تترأسه السيدة منى المرى، يعرف أن المنتدى ليس مجرد تجمع لرجال ونساء الإعلام والسياسة، لكنه بمثابة مركز بحثى بات قادرًا على التنبؤ بالمستقبل.
هذا التنبؤ ليس قراءة فى فنجان أو نظرة فى بلورة مسحورة، لكنه قدرة فائقة على فهم التطورات التقنية الحادثة، والتوازنات والرؤى الإقليمية والعالمية وما تمثله وما تعنيه، مع فهم عميق للأوضاع السياسية والاقتصادية، ومن ثَمَّ الإعلامية الآنية. وفى كل عام، كان المشاركون يعودون إلى بلدانهم وكل منهم يحمل معرفة جديدة وإلمامًا عميقًا بما سيطرأ على المشهد الإعلامى. هذه المعرفة ظلت مُعضَّدة بمعطيات حقيقية وقدرات فائقة على القياس والاستنتاج، وهو ما يسمونه «استشرافًا». ويُحسب لمنتدى الإعلام العربى- الذى يرعاه سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبى- أنه أخبرنا قبل سنوات كثيرة بأن مستقبل الإعلام ليس ورقيًا، وأن انتقال الإعلام من الورق إلى الأثير ليس مجرد انتقال جغرافى أو هجرة للمادة من هنا إلى هناك، لكنه انتقال شكلًا وموضوعًا. بدا هذا الانتقال وقتها أمرًا يمكن إدراجه تحت بند الخطط المؤجلة.
لكن تأجيلها أدى إلى ما نحن فيه الآن من مشكلات لا أول لها أو آخر بفعل التسويف. وحين وجدنا أنفسنا مضطرين للقفز من الورقى إلى العنكبوتى، قفزنا قفزة هوجاء تفتقد التدبير والتخطيط، فجاء المحتوى دون توقعات المتلقى، الذى واكب واندمج فى العالم الرقمى بوتيرة سريعة. والأمثلة الاستشرافية فى المنتدى كثيرة. وكثيرًا ما دارت على منصات المنتدى حوارات عن المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعى، ومنافسة هذه المواقع الشرسة للإعلام المهنى، وطوفان الأخبار الكاذبة والمفبركة، الذى عدّد أنظمة وأسقط أخرى وأقام غيرها. وعودة إلى منتدى دبى للإعلام هذا العام 2020، هذا العام الاستثنائى بوبائه وقلبه موازين حياة سكان الأرض رأسًا على عقب، حيث انعقاده افتراضيًا بحضور كبار رجال ونساء السياسة والمتحدثين والمتحدثات وآلاف المشاركين، كل من أمام شاشته يعنى أن الحياة الجديدة قد بدأت. الحياة الجديدة رقمية. وما عنوان المنتدى التقريرى «الإعلام العربى: المستقبل رقمى» إلا إشهار لواقع، وليس توقعًا أو تحذيرًا أو افتراضًا. المستقبل- الذى بدأ ومُقدَّر له أن يستمر حتى لو انتهى الوباء- رقمى بامتياز.