بقلم : أمينة خيري
رأيى أن أهم ما فى الانتخابات النيابية الحالية هو تأملها واستخلاص الدروس والعبر منها، وهذا لو تعلمون عظيم وعميق. وللعلم فإن التأمل عملية شاقة وتتطلب علمًا وفهمًا وقبلهما رغبة وإرادة وابتعاد عن المكابرة والمعاندة. نسبة الحضور والمشاركة التى سيتم الإعلان عنها فى وقت لاحق مهمة، لكنها فى مرحلة الاستقرار السياسى الذى نعيشه، مقارنة بالسنوات التى تلت أحداث يناير 2011، ليست العامل الوحيد الذى يمكن أن نعتمده دليلًا على الوعى السياسى (أو قلته) أو برهانًا على الرغبة الشعبية العارمة فى اختيار من يمثلها.
فالأسباب والعوامل التى تدفع القواعد الشعبية فى أى بلد للمشاركة فى الانتخابات كثيرة، ولا يتعلق جميعها بالوعى السياسى وممارسة الحق والواجب الانتخابى. فقد تكون هناك رغبات لمنع فلان من الفوز وخلاص! وقد تكون اتقاء لشرور الغرامات والمخالفات.
وربما أيضًا تكون استجابة لمحفزات أو مُرَغِّبات، وهلمّ جرا. وبالطبع فإن معرفة التوجهات وقياس الميول تستوجب قياسات علمية معروفة القواعد، ولكنى لاحظت فى دائرة معارفى توجهًا إلى المشاركة ولكن لإبطال الصوت.
وإبطال الصوت يحدث لسببين: الأول لأسباب تتعلق بعدم معرفة الطريقة الصحيحة للانتخاب وهو ما ينتج عنه بطلان الصوت، والثانى، وهو الأهم والأجدر بالدراسة، هو الإبطال العمدى أو ما يطلق عليه «التصويت الاحتجاجى».
والتصويت الاحتجاجى ليس عيبًا كما يُشاع أو حرامًا كما يُقال. لكنه طريقة يعبر بها من لا يملك طريقة أخرى ليقول: «لا أوافق».
و«لا أوافق» أو «أعترض» أو غيرها من مرادفات المعارضة لا تعنى بالضرورة خيانة للوطن أو مؤامرة لإحداث الفوضى، لكنها قد تعنى ما تعنيه فقط: معارضة. وحيث إن المعارضة البناءة أو القوية سياسيًا أو المنظمة حزبيًا تعانى ضعفًا وإنهاكًا، فلا يتبقى للبعض من طريقة للتعبير عن آرائهم ومواقفهم سوى إبطال الصوت. والأوراق والأبحاث السياسية المنشورة حول الأصوات الباطلة كثيرة ومثيرة ومفيدة. أحدها على سبيل المثال منشور تحت عنوان «جهل أم معارضة؟ الأصوات الفارغة والباطلة فى المجتمعات حيث المعلومات القليلة ودرجة التسييس المرتفعة».
وهى دراسة جيدة لفهم أسباب الأصوات الباطلة، وتلافى بطلانها عبر علاج الأسباب فى الانتخابات المقبلة، سواء بزيادة التوعية وطرح المعلومات أو ببحث وعلاج أسباب إبطال الصوت بغية الاعتراض. وإذا كانت طرق حل مشكلة الأصوات الباطلة بسبب قلة المعرفة أمرًا يسيرًا، فإن التعامل مع «التصويت الاحتجاجى» يحتاج حلولًا على كل المستويات وليس على مستوى الناخب وحده.
فالتصويت الاحتجاجى يحتاج بحثًا ونقاشًا وعلاجًا للحزب والمرشح وبرنامجه الانتخابى والناخب والأجواء الانتخابية والنظام الانتخابى والساحة الحزبية والسياسية. ووجود مشكلات فى العملية الانتخابية ليس وصمة أو عارًا، بل العكس هو الصحيح. فالانتخابات عملية تعليمية للجميع، والرغبة والإرادة فى إصلاح أجوائها وتنقيتها وتلافى مشكلاتها خير مثال على صحة الأجواء والعملية الانتخابية والكيان النيابى وأدائه، طالما أبقينا المؤسسات الدينية بعيدة عن مصيدة تحريم إبطال الصوت!.