بقلم : أمينة خيري
لا يمكن تجاهل «البيانات الضخمة» أو Big Data وزحفها المقدس الواضح وضوح الشمس هذه الأيام. هذا الكم المذهل من المعلومات عن الفيروس المستجد والمصابين به وكيفية إصابتهم وأعمارهم وظروفهم الصحية، وقدرات دولهم على المتابعة والترصد والاختبار، وتراوح أنظمة العالم الصحية فى قدراتها للتعامل مع ما يحدث، وتفاوت الأوضاع المعيشية الناجمة عن الوباء من حيث قدرة الناس على الحصول على احتياجاتهم الغذائية والخدمية، ونوعية العلل النفسية الناجمة عن الحظر والإغلاق، والآثار الاقتصادية حيث نسب بطالة وتسريح عمال وتوقف أعمال وكيفية الاستجابات الرسمية لتراكم الديون وأسعار النفط والأزمة الإنسانية الأكبر فى تاريخ الكوكب الحديث، هذا الكم المذهل منجم ذهب معلوماتى لا يقدر بمال. لم يعد المال بصوره التقليدية هو الأقيم والأهم. إنها المعلومات الضخمة. وضخامتها لا تكمن فيما تحتويه من معلومات عسكرية خاصة بالعتاد والسلاح والذخائر، بل تكمن فى تعرية التركيبات الديموغرافية لأغلب دول الكوكب وتركيبة السكان من حيث الصحة ونسب الأمراض وطبيعتها ونسب الأعمار والجنس ومستويات الدخل وتفاوت درجات التضرر وطبيعة السكن وتفاصيله الدقيقة والعريضة، ناهيك عن كشف حقيقة الهياكل الاقتصادية الفعلية، وقدراتها على الصمود بناء على معطيات ذات تفاصيل كثيرة باتت معروفة بفضل الفيروس. الفيروس مكّن سكان الكوكب من معرفة أى الدول تواجه أزمة فى مخزون البصل، وأيها يعانى لتوفير ورق التواليت أو الأرز أو البقول للسكان المحظورين. كما سلط الفيروس الضوء على أى الدول لديها تركيبات سكانية شبابية قادرة وراغبة فى العمل الاجتماعى وتقديم يد العون للأكثر احيتاجاً أو ضعفاً، وأيها يميل إلى التقاعس أو لا يملك الرغبة.
وكشف الفيروس عن تغلغل أيديولوجيات مريضة وأخرى صحيحة لدى شعوب الأرض، فمن موسيقى للترفيه عن البشر هنا إلى تكفير وتحريم لها واكتفاء بالإغراق فى جوانب البلاء وشؤون الاكتئاب. وكان للفيروس الفضل فى كشف المستور عن عادات وتقاليد عدة وثقها علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا على مر عقود طويلة باعتبارها أشبه بالمقدسات لدى الشعوب، لكن مع وضع هذه العادات شبه المقدسة أمام مخاوف الوباء وخطر الإصابة تقهقرت العادات الراسخة وتراجعت التقاليد البازغة، فمنهم من رفض دفن جثامين الموتى رغم قدسية الدفن فى ثقافته، ومنهم من حرقها رغم كراهة ذلك فى معتقده، والأمثلة كثيرة جداً. ويضاف إلى كل ما سبق استخداماتنا المكثقة للأجهزة الرقمية المتصلة بالإنترنت وتسابق البلايين من البشر حول العالم للكتابة والمشاركة والتساؤل حول الفيروس وتعامل حكومته معه بين مؤيد ومعارض ومفتٍ ومنتقد وما ينجم عن ذلك من كم مذهل من «البيانات الضخمة» عن مواقف شعوب الأرض من حكوماتها، وتعاملها مع رؤسائها وملوكها فى زمن كورونا. زمن كورونا فتح باب «البيانات الضخمة» على مصراعيه. وأولوية الاستفادة وآثارها وما الذى سينجم عن تحليلها وتفنيدها ليس معروفاً بعد لدى العامة، لكنه بكل تأكيد معروف لدى الخاصة.