بقلم : أمينة خيري
اليوم نحتقل بالعيد ونحن متباعدون اجتماعيًا متقاربون إلى حد التطابق نفسيًا. الجميع يقف على جبهة واحدة تختلط فيها فرحة العيد بمذاق الوباء المختلف. مظاهر الأيام الأخيرة من رمضان تشير إلى رغبة شعبية عارمة فى مقاومة فزع العدوى والتغلب على هلع عداد الإصابات.علب الكعك الصغيرة سيدة الموقف. فكعكة واحدة أو اثنتان تكفيان فالعبرة هنا بالرمز لا بكثرة الالتهام. التكتيك لأيام طويلة من الحظر المنزلى استوجب خطة مشاهدة تلفزيونية مكثفة ستجمع حتمًا عددًا غير قليل من أفراد الأسرة، سواء بإرادتهم أو رغمًا عنهم، وهذا فى حد ذاته جميل. صحيح أن مؤشرات تؤكد أن البعض مازال مصرًا على الالتفاف على التباعد الاجتماعى والحظر شبه الشامل المفروض كإجبار غير مباشر للجميع على البقااااااااء فى البيت لعل هذا المنحنى الشرير يبدأ فى الانكسار وحتى التسطح، لكن شعور الجميع بالقلق ربما يكون حافزًا لتوخى المزيد من الحذر. فلا الالتفاف على الحظر جدعنة ولا محاولة خرق مبدأ التباعد عبر تجمع العديد من الأسر فى بيت واحدة طيلة إجازة العيد ذكاء أو حكمة، بل أنانية مفرطة وطيش بالغ.
بلوغنا هذه المرحلة من الإصابات والوفيات يستدعى بعضًا من تمهل وكثيرًا من تعامل علمى مع الموقف. ولعل إجازة العيد الطويلة فرصة ذهبية لقهر الفيروس الذى لن تقهره الكوميكس التى ترسم ضحكة على وجوهنا أو الميمز التى تستدعى السخرية من أحوالنا. العنصر الكوميدى فى الوضع الفيروسى الحالى ضرورة ووسيلة مساعدة لحفاظنا على قدر من الصحة النفسية، هذا مؤكد. لكن تحويل الأمر برمته إلى ضحكة أو تهوين فيه سم قاتل. يسعدنا كثيرًا ما يثار من أننا «شعب مالوش كتالوج» أو أن «ردود فعلنا عادة تكون خارج إطار المتوقع تمامًا وأحيانًا عكس المنطقة كلية» وغيرها من المفاهيم التى تجعلنا نتمتع بمكانة متفردة بين شعوب الأرض، وهذا جميل. لكن أن نرتكن إلى غياب الكتالوج أو بقاء ردود فعلنا عصية على التوقع فى ظل وباء عالمى رفض عمل استثناءات لأى من شعوب الكوكب ارتكان مرعب.
ويكمن سر الخلطة السحرية هذه المرة فى عمل التوازن الصعب: نأكل كعكة ونشاهد التلفزيون ونتجمع كأسرة صغيرة مع الحفاظ على مسافة التباعد المنصوص عليها أمام التلفزيون ونأخذ نفسًا طويلًا ونعد من واحد لمائة ومائتين إن لزم الأمر قبل أن يوزنا الشيطان ونعزم طنط عنايات وولادها وأبلة أفكار وأخوتها ليستمتعوا معنا بالعيد، أو نلتقى شلة الأصدقاء فى سيارة أحد منهم معتقدين خطأ أننا مستمرون فى التباعد محترمون للإغلاق محافظون على الحظر.
عيد مختلف؟ نعم. أيام صعبة؟ نعم. نغرق فى الهلع ونستسلم للخوف؟ لا. نقضى عيدًا سعيدًا فى حدود إمكانات الحظر؟ نعم. نصر على الفهلوة وخرق القواعد لنثبت لأنفسنا إننا جامدين قوى؟ لا وألف لا.