بقلم : سليمان جودة
فى كتابه «كنت سفيراً لدى السلطان» روى السفير عبدالرحمن صلاح، آخر سفراء القاهرة فى أنقرة، أنه ذهب يوماً إلى مكتب نائب رئيس الوزراء التركى للتعارف حاملاً معه هدايا فرعونية، ولكن نائب رئيس الوزراء سأله فى لهفة عما إذا كان من الممكن أن يهديه شيئاً آخر؟!.. ولم يكن هذا الشىء الآخر الذى أراده المسؤول التركى سوى نسخة كاملة من القرآن الكريم بصوت عبدالباسط عبدالصمد!.
يتساءل السفير فى أسى عما إذا كنا قد استطعنا التسويق لأصواتنا الذهبية التى حملت القرآن ولاتزال تحمله إلى أرجاء الأرض؟!.
وفى مناسبة أخرى اكتشف أن تركيا دعت القارئ الطبيب، أحمد نعينع، إلى الحفل السنوى الذى كان أردوغان يقيمه للسفراء الأجانب فى رمضان من كل سنة!.
كان وزير الخارجية التركى وقتها، أحمد داوود أوغلو، يجلس فى صدر المائدة الرئيسية، وكان السفير صلاح عن يمينه والسفير الفرنسى عن يساره، وكان أوغلو يبدو مستمتعاً للغاية بالتلاوة، وكانت طائرة خاصة قد حملت نعينع إلى إسطنبول قبل مدفع الإفطار بساعة!.
وطوال الحفل كان وزير الخارجية التركى يتابع التلاوة بتأثر ظاهر، وكان يسأل عن خلفية المقرئ ودراسته، وكانت دهشته كبيرة عندما عرف أنه فى الأصل طبيب.. وحين اقترب الحفل من نهايته، سأل أوغلو سفيرنا عما إذا كان من الممكن أن يدعو نعينع إلى المائدة الرئيسية ليلتقط معه صورة على سبيل التذكار!.. كان السفير الفرنسى قد غادر مقعده لقضاء حاجة، وحين عاد أدهشه أن الوزير قد أجلس نعينع فى مكانه، ثم راح يحتفى به كما لم يهتم بأحد فى القاعة!.
ويتساءل السفير فى أسى من جديد عما نفعله لاكتشاف المواهب والأصوات الجديدة فى التلاوة.. ثم تسويقها فى أنحاء الدنيا؟!.
وفى مذكراته كان الدكتور عبدالرحمن بدوى قد ذكر أنه كان ذات يوم فى إيران، وأنه لاحظ أن الإيرانيين كانوا يتوقفون عن العمل إذا سمعوا عبدالباسط يرفع الأذان أو يتلو القرآن!.
والمعنى فى كل الحالات أن ثروات الشعوب ليس من الضرورى أن تكون مالاً، وأنها يمكن أن تتمثل فيما هو أعلى فى القيمة وفى القدرة على البقاء.. ولكن الأهم هو البحث عنها بجد ثم توظيفها بالشكل الصحيح!