بقلم : سليمان جودة
قضى الدكتور إبراهيم البحراوى ست سنوات من حياته، يحرر صفحة أسبوعية فى جريدة الأخبار تحت هذا العنوان: كيف تفكر إسرائيل؟!
والطريف أن فكرة الصفحة بدأت فى أثناء زيارة قام بها الأستاذ موسى صبرى، رئيس تحرير الجريدة وقتها، إلى عيادة الدكتور كمال الإبراشى، طبيب الأسنان الشهير!
كان ذلك فى أول ١٩٧٩ عندما اتفق الاثنان على حاجة صحافتنا إلى مساحة صحفية ثابتة، تقدم للقارئ تفاصيل ما يدور داخل إسرائيل، مع التركيز على الطريقة التى تفكر بها الأحزاب فى تل أبيب، سواء كانت أحزاباً فى الحكم، أو كانت تجلس فى صفوف المعارضة!
كان كمال الإبراشى، يرحمه الله، صديقاً للبحراوى، الذى عرف بالفكرة من صديقه قبل أن يعرضها عليه رئيس التحرير، ثم يبدأ فى تنفيذها بالفعل فى فبراير من ذلك العام!.. وقد عرفت الرجلين عن قرب وأشهد أنهما كانا من أجمل الرجال!
والذين تابعوا الصحافة فى ذلك الوقت، يذكرون بالتأكيد كيف كانت الصفحة مقروءة إلى حدود بعيدة، وكيف كانت تحظى بدرجة عالية من المتابعة من جانب القراء، وربما يعود ذلك فى جزء منه إلى اهتمام لدى القراء بالموضوع، نشأ عن توقيع معاهدة السلام بيننا وبين إسرائيل فى مارس من تلك السنة!
كان الدكتور البحراوى يعرف جيداً ما يجب أن تقدمه الصفحة لقرائها فى كل أسبوع، فهو الرجل المتخصص فى اللغة العبرية وآدابها على مدى مراحل الدراسة كلها، بدءاً من الليسانس، إلى الماجستير، إلى الدكتوراة، ولا يوجد شك فى أنها قدمت مادة صحفية، وثقافية، وفكرية، أفادت القراء من كل المستويات، سواء كان القارئ أستاذاً فى الجامعة، أو كان من قراء الصحف العابرين!
ولأمر ليس واضحاً توقفت الصفحة فى مارس ١٩٨٥، ولم يكن توقفها لأن صاحبها اعتذر عن عدم تقديمها، ولكن لأن تقدير موسى صبرى كان أنها قد أدت مهمتها!!.. وكان تبريراً لا يقتنع به عقل فى تقديرى، لأن المهمة التى تؤديها صفحة من هذا النوع تظل قائمة ما دامت إسرائيل قائمة تمارس ما تمارسه.. إننا مصرياً وعربياً بالذات أحوج ما نكون هذه الأيام إلى تلك الصفحة من حيث فكرتها.. ولكن هذا ما يذكره الدكتور إبراهيم، يرحمه الله، فى كتابه المهم الذى صدر عن دار الشروق قبل أيام!