بقلم : سليمان جودة
أهتم بما يجرى فى السودان بشكل خاص، ربما لأن العاصمة الخرطوم هى الأقرب إلينا بين عواصم دول حوض النيل على الأقل، وربما لأن ما يجرى هناك منذ أن سقط نظام حكم البشير يبدو مثيرًا بالفعل، بقدر ما إنه يغرى بالمتابعة والاهتمام!.
وقد استوقفنى أن تنقل وكالة الأنباء الفرنسية عن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالى السودانى، حديثه إلى التليفزيون الرسمى فى بلاده، عن أن السودان لم يتعرض لأى ابتزاز فى عملية رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب!.
استوقفنى هذا وتساءلت: إذا لم يكن إصرار الولايات المتحدة من البداية إلى النهاية، على الربط بين إطلاق علاقات السودان مع إسرائيل وبين رفع الاسم من القائمة، عملية ابتزاز سياسى صريحة ومعلنة.. فما هو الابتزاز بالضبط؟!.. لم يكن للسودان ذنب طبعًا فيما جرى، وإنما إدارة الرئيس ترامب هى التى مارست الابتزاز على الملأ، وهى التى لم تشأ أن تداريه، وهى التى كانت تعرف مدى حاجة الحكومة السودانية إلى رفع الاسم من القائمة، فكانت تمسكها طول الوقت من يدها التى توجعها!.. كان السودان يحظى بتعاطف كل الذين يرغبون فى أن يقف على قدميه بسرعة، ولكن مثل هذا التعاطف لم يكن له مكان لدى إدارة ترامب التى كانت تريد شيئًا واحدًا هو تطبيع العلاقات مع تل أبيب، ولم تكن تلتفت إلى أن التطبيع الحقيقى هو الذى يتم بين الشعوب، لا بين الحكومات.. ولا بد أن الأول يختلف عن الثانى كل الاختلاف!.
أما البداية فكانت فى فبراير من هذه السنة، عندما التقى البرهان فى أوغندا، مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل.. كان اللقاء مفاجئًا دون مقدمات، وكان هو البداية لكل ما جاء بعده من خطوات وصولًا إلى مساء الجمعة ٢٣ أكتوبر!.
ففى مساء هذا اليوم، جلس ترامب على مكتبه فى البيت الأبيض، بينما يقف وراءه ثمانية من أركان إدارته، بينهم وزير خارجيته مايك بومبيو، وصهره ومستشاره جاريد كوشنير، ليعلن من خلال اتصال تليفونى على الهواء مباشرة مع البرهان ونتنياهو معًا، إطلاق قطار العلاقات بين البلدين!.
وفى اليوم التالى كان يعطى تعليماته برفع اسم السودان من القائمة، ليظل الموضوع على بعضه عملية ابتزاز كاملة الأركان.. حتى ولو كان البرهان يراها شيئًا آخر!.