بقلم - سليمان جودة
أمس الأول.. أنهى سامح شكرى، وزير الخارجية، جولته الإفريقية فى سبع من دول القارة السمراء، وكانت المحطة الأخيرة فى النيجر، ونقلت صحف الصباح صورة الوزير وهو يسلم رسالة الرئيس إلى محمد إيسوفو، رئيس البلاد هناك.. وقد كان القاسم المشترك فى أحاديث الجولة من أولها إلى آخرها هو سد النهضة!
وما يربطنا بالنيجر أنها إفريقية مثلنا، وأن الدم الإفريقى يجرى فى شرايين مواطنيها، كما يجرى فى شرايين كل واحد منا بالضرورة، وأنها على جوار مباشر مع ليبيا، وأن عاصمتها تتمتع بالعضوية فى الاتحاد الإفريقى شأنها شأن القاهرة!
ومن قبل النيجر كان الوزير فى تنزانيا، التى يربطنا بها ما هو أقوى، رغم بُعدها الجغرافى عنا.. فما يجمعنا بها هو ذاته ما يجمعنا بالنيجر تقريباً، ويزيد عليه أنها دولة من دول حوض النيل الإحدى عشرة!
ولأن تنزانيا دولة من دول الحوض، فإننى توقعت منها رد فعل مختلفاً فى ملف السد، ولكنى توقفت أمام حديث وزير خارجيتها عن «تقديره لمرونة الموقف المصرى» فى المفاوضات التى جرت فى الملف، وصولاً إلى اتفاق يحقق مصالح الدول الثلاث: مصر والسودان وإثيوبيا!.. وهذا لا شك موقف تنزانى مشكور، إلا أنه موقف شديد التحفظ عندما تتطلع إليه من زاوية الرابطة التى تربطنا بهم.. أقصد رابطة دول الحوض التى تضع على كل دولة منها مسؤولية تجاه الدول العشر الأخرى!
وبعبارة أوضح.. فإن المنتظر من دولة مثل تنزانيا، لم يكن مجرد التقدير للمرونة المصرية، لأن تقديراً كهذا يظل فى ظنى تحصيل حاصل، ولأن ما كنت أنتظره وما كان ينتظره كل مصرى معى، أن تعلن الخارجية التنزانية رفضها التعنت الإثيوبى بشكل واضح لا ينطوى على غموض، ولا يحاول التوازن فى قضية لا تحتمل بطبيعتها التوازن الحيادى من هذا النوع!
إن الهدف من الجولة الإفريقية لشكرى، ومن قبلها الجولة الأوروبية، ومن قبلهما الجولة العربية، ليس مجرد امتداح موقفنا الذى التزم «صبراً استراتيجياً» يميز الإيرانيين وحدهم عن سواهم، ولكن الهدف هو تعرية الموقف الإثيوبى، الذى تعامل مع جولة المفاوضات الأخيرة فى واشنطون، بقدر من الصلف والعجرفة غير مسبوق!
ومما يؤسف له أن صخب كورونا قد غطى على أنباء جولة الوزير فى ١٦ عاصمة، رغم أن كورونا سوف يرحل ذات صباح، ورغم أن النيل بقى فى حياتنا وسوف يبقى.. ولا بد أن شكرى قد عاد من رحلته الممتدة، وفى جيبه «تقدير موقف» سوف يمثل خريطة للتحرك مستقبلاً فى هذه القضية، التى هى قضية مصير بأى معيار