بقلم : سليمان جودة
كنت أسعد الناس بهذه العودة القوية لنا إلى العراق، ولابد أن ذلك هو حال الذين تابعوا معى زيارة الدكتور مصطفى مدبولى إلى بغداد!
ولأن الرجل قد اصطحب معه عدداً ملحوظاً من أعضاء حكومته، فلقد بدا وكأن الحكومة قد رافقته كلها إلى هناك.. وعندما شهد مع مصطفى الكاظمى، رئيس وزراء العراق، توقيع ١٥ اتفاقية ومذكرة تفاهم، فلقد بدا مدبولى وكأنه لم يترك شيئاً للقادمين من بعده!
وسوف يعمل البلدان فى مرحلة ما بعد الزيارة تحت شعار يقول: النفط فى مقابل الإعمار.. وهذا يعنى أننا سوف نشارك فى إعمار ما دمره الإرهاب وغير الإرهاب فى بلاد الرافدين، وأننا سنحصل على النفط فى مقابل إعادة الحياة إلى مواقع عراقية كثيرة، لا بديل عن أن تدخل الخدمة من جديد فى حياة العراقيين!
وهذا الشعار اللافت إنما يدعو فى حد ذاته إلى شىء من الأمل، وسط هذا الضباب الكثيف الذى يغطى سماء المنطقة.. فالعراق الذى كان قد رفع، فى وقت من الأوقات، شعاراً آخر يقول: النفط فى مقابل الغذاء.. قد جاءت عليه هذه اللحظة التى صار قادراً فيها على أن يجدد الشعار ليصبح نفطاً فى مقابل الإعمار!
كان الشعار القديم يدل على وجه من وجوه العجز فى الدولة العراقية وقتها.. وإلا.. فهل هناك ما هو أعجز من عدم قدرة الحكومة فى بغداد على بيع بترولها، فتذهب إلى مبادلته أو مقايضته بالغذاء؟!.. ولكن شعار اليوم ينطوى على ملمح من ملامح القوة، لأن هذه الدولة العراقية التى كان أعداؤها يحاصرونها فى بترولها، قد أصبحت حرة فى تسويق نفطها، وصارت قادرة على أن تبادله بالإعمار على أرضها فى كل الأنحاء!
وقد تمنيت لو أن الدكتور طارق شوقى كان حاضراً فى الزيارة، ليطلب تفاصيل التجربة العراقية فى محو الأمية بين المواطنين.. إننا نعرف أن وقتاً جاء على العراق أيام صدام حسين، أعلنت فيه منظمة اليونسكو، من مقرها فى باريس، أن الحكومة العراقية قضت على الأمية بين العراقيين وأن نسبتها قد صارت صفراً!!
لقد شاعت زمان معادلة ثلاثية تقول إن القاهرة تؤلف، وأن بيروت تطبع، وأن بغداد تقرأ.. وهى معادلة لابد أن تعود لأنها قرين الحياة على أرض العرب!
العودة إلى أرض بابل لابد أن تليق بمصر والعراق معاً!