بقلم : سليمان جودة
الرئيس الذى يطلب لقاءً على فنجان قهوة مع فيروز فى بيتها، لا بد أن يكون قادماً من عاصمة النور.. فهذا هو اسم الشهرة الذى ارتبط بالعاصمة الفرنسية باريس، ولا يزال!
والرئيس الذى يخرج من مطار بيروت مباشرةً إلى بيت نهاد حداد الشهيرة بفيروز، فيقضى فى ضيافتها ساعةً وربع الساعة، لا بد أن يكون قد جاء من بلد ڤولتير الذى كان لا يتوقف عن إبداء استعداده غير المشروط للدفاع عن حق الذين يخالفون رأيه فى أن يقولوا ما يشاءون.. بلد جان جاك روسو الذى رسخ مبادئ نظرية العقد الاجتماعى فى العلاقة العادلة بين الحاكم والمحكوم.. بلد جان بول سارتر الذى عاش يبحث فى وجود الإنسان من حيث هو إنسان إلى أن مات!
وهؤلاء الثلاثة ليسوا سوى قطرة فى بحر زاخر يمتلئ بالأسماء المضيئة من هذا العيار الثقيل.. أسماء حملت مشاعل البهجة إلى كل فرنسى، ثم إلى كل بلد فى أنحاء العالم!
وإذا كانت هناك عبارة تصلح لوصف ذلك اللقاء الفريد من نوعه، فهذه العبارة هى أنه لقاء بين فنانة تعرف ماذا تعنى باريس، وبين رئيس يعرف قدر بيروت!
اللقاء الذى نقلت وكالات الأنباء ثلاث صور له، هو لقاء شيك بكل معانى الكلمة، لأن كل طرف من الطرفين كان حريصاً على أن يتصرف بمسؤولية لا يعرفها الذين يحكمون لبنان هذه الأيام.. ولو عرفوها ما كان الرئيس إيمانويل ماكرون مضطراً إلى أن يطير فوق البحر المتوسط من شماله إلى شرقه ليرى، ما إذا من الممكن إنقاذ بيروت من أيدى حكام لا يقيمون لها وزناً.. لو عرفوها ما كان وزير خارجية ماكرون قد قال إن ما يفعله حكام لبنان بها يمكن أن يذهب بها إلى الزوال.. لو عرفوها ما كان ماكرون قد عاد للمرة الثانية إلى البلد ليمهل حكامه فى طريق الإصلاح ثلاثة أشهر لا غير!
بحثت فيروز عن شىء تهديه إلى ماكرون فلم تجد سوى لوحة فنية، ليكون الفن هو مبتدأ اللقاء وهو منتهاه، وسألوا ماكرون وهو يغادر بيتها عما دار بينهما فقال ما معناه إنه لم يستأذنها فى ذلك، وإنها تستطيع أن تتحدث عما كان بينه وبينها إذا أحبت وشاءت!
من أجل هذا عاش الفن وسوف يعيش، ومن أجل ناس من نوعية فيروز عاش لبنان وسوف يعيش