بقلم : سليمان جودة
رغم أن الصورة المنشورة كانت من تونس، ورغم أنها كانت لعدد من التوانسة العاملين فى السياحة، الذين خرجوا يرفضون فرض الحظر من جديد فى مواجهة ڤيروس كورونا، إلا أننى وجدت فيها، وتحديداً فى الخلفية منها، ما يخصنا نحن هنا!
الصورة كانت من تونس العاصمة، وكانت الخلفية تمتلئ بالمبانى التى تكتسى باللون الأبيض الموحد، فتبدو من بعيد وكأنها السحاب الذى يتجمع فى السماء!.. هذا اللون الأبيض فى الصورة هو ما جذب انتباهى، تماماً كما استوقفنى من قبل فى كل مرة زرت فيها تونس الخضراء!
وهى خضراء لأن اللون الأخضر ينتشر على جوانب الطرق كلها بين المدن دون استثناء.. ولو بحثوا عن اسم بديل لها فلن يجدوا أفضل من تونس البيضاء، التى تأخذ فيها البنايات لوناً واحداً ناصعاً فى بياضه، ويمتد البياض خيطاً مشتركاً على امتداد الشوارع والميادين!
جذبنى هذا اللون الذى يدعو إلى التفاؤل، لأن الرئيس كان قد أعطى تعليمات مباشرة بدهان واجهات العمارات فى القاهرة، وفى المحافظات، وعلى الطريق الدائرى، بلون واحد جرى تحديده يومها، ثم لم تتجاوز الجهات المعنية بالتنفيذ هذه الخطوة!
لم تتجاوز الجهات المعنية خطوة تحديد اللون، واكتفت بسماع توجيهات الرئيس، ولم تأخذ خطوة واحدة أخرى فى اتجاه الترجمة العملية للتوجيهات الرئاسية، وبقيت الواجهات الكالحة كما هى فى قاهرة المعز، وبقى القبح يتوزع بالعدل على طول الدائرى، وبقيت عين كل واحد منا تتأذى كلما ألقت نظرة عابرة على الشوارع والميادين والدائرى معاً!
وقد جذبنى اللون فى الصورة التونسية واستوقفنى بقوة، لأنى تذكرت أن وزارة الثقافة فى وقت من الأوقات كانت تتسمى بوزارة الثقافة والتنسيق الحضارى، وكان هذا المسمى المضاف إليها معنياً بجعل خلفيات الصور عندنا قريبة من خلفياتها فى تونس، لولا أن المسمى المضاف قد سقط سهواً على الطريق، وسقطت معه المهمة التى كان عليه أن ينهض بها!
الخلفية التى أتحدث عنها ليست تفصيلة هامشية بين التفاصيل، ولا هى نوع من الترف الذى يمكن الاستغناء عنه، لأنها وثيقة الصلة بعملية بناء الإنسان فى البلد!.. إنها عملية تتكامل فى عناصرها، وإذا غاب منها عنصر الذائقة البصرية التى تجد متعة فيما تراه فى كل أفق مفتوح كان الإنسان على غير ما يرام