مشروع سياسي إردوغاني يفتقد مقومات الحياة

مشروع سياسي إردوغاني يفتقد مقومات الحياة

المغرب اليوم -

مشروع سياسي إردوغاني يفتقد مقومات الحياة

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

يعجبني في الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، أنه يضع الوجود التركي غير المشروع على الأراضي الليبية في إطاره الصحيح، فيتحدث عن شيء واضح اسمه: مشروع إردوغان في ليبيا!
هذا الجيش لا يتحدث في هذه الأيام خاصة عن مجرد تسلل تركي إلى ليبيا، ولا عن ميليشيات ترسلها تركيا إلى حكومة الوفاق التي يرأسها فائز السراج في العاصمة الليبية طرابلس، ولا حتى عن اتفاقيات أمنية وغير أمنية عقدها الطرفان معاً، حكومة إردوغان وحكومة الوفاق، ولكنه يتحدث عن العنوان الأشمل في الموضوع كله. يتحدث عن: مشروع إردوغاني في ليبيا!
والجيش الوطني الليبي لا يتوقف عند حدود الحديث عن ذلك، ولكنه يعلن أنه سينهي هذا المشروع في الأمد الزمني المنظور، بما يعني أن مشروع إردوغان في ليبيا سوف يتحول على يد جيش البلاد الوطني، إلى سراب سياسي لن يبقى منه شيء في النهاية!
والحقيقة أن هذا الإدراك من جانب الجيش الليبي يستوقفك وأنت تتابع، ثم إنه يستحق الإعجاب. والسبب أنه يذهب إلى الأصل في الموضوع بشكل مباشر، ولا يسمح لنفسه بالانشغال بالتفاصيل، التي قد تحجب عنه رؤية الأمور على حقيقتها، وقد تعطله عن الذهاب إلى إنجاز ما يتعين عليه أن ينجزه على الأرض!
ذلك أن عناصر الجيش الليبي قد تنخرط كل نهار في ملاحقة الطائرات المُسيّرة، التي يبعث بها إردوغان إلى حكومة الوفاق، طائرة وراء طائرة، وقد تستهدف سفينة تركية أو أكثر تتخفى وتقترب من شواطئ البلاد، وهي محملة بالسلاح وبغير السلاح إلى حكومة السراج، وقد تطارد الميليشيات التي أرسلتها أنقرة للقتال إلى جوار الحكومة في طرابلس. قد تفعل هذا كله، وهي تفعله بجد في كل يوم، ولكن هذا كله في الوقت نفسه يجب ألا يصرف انتباه الجيش الوطني على مستوى قيادته، عن الالتفات إلى أن هذه التفاصيل كلها يجمعها خيط واحد ممتد اسمه: مشروع إردوغان في ليبيا!
وهو للحقيقة ليس مشروعاً تركياً، ولكنه مشروع إردوغاني في الأول وفي الآخر، لأنه مشروع مرتبط بوجود حاكم تركيا الإخواني على مقاعد الحكم في بلاده، ولأنه مشروع سيختفي في اللحظة التي يفقد فيها إردوغان الكرسي، وفي اللحظة التي يتقدم حزب آخر في تركيا، بدلاً من حزب العدالة والتنمية الذي جاء بإردوغان إلى السلطة مع بدايات العقد الأول من هذا القرن!
وللحقيقة أيضاً، ثم للدقة من بعد الحقيقة، فهو ليس مشروعاً إردوغانياً في ليبيا وحدها، ولكنه مشروع إردوغاني في منطقة عربية عريضة لها طول ولها عرض، من العراق إلى سوريا إلى ليبيا، ومن قبل الدول الثلاث كان الرئيس التركي يذهب ليجرب حظوظ مشروعه السياسي في السودان مرة، أيام حكم عمر البشير، وفي الصومال حالياً مرة أخرى، وفي قطر مرة ثالثة، وفي تونس من خلال حركة النهضة الإسلامية مرة رابعة، وهكذا وهكذا، فهو مشروع كبير متشعب، وهو في معنى من معانيه يشبه التنين الشهير الذي كلما انقطعت له ذراع نبتت له في مكانها ذراع جديدة!
وليس سراً أن أصل هذا المشروع عربياً كان في القاهرة، خلال العام اليتيم الذي قفزت أثناءه جماعة «الإخوان» إلى الحكم. فلقد كان رهان إردوغان الأساسي على وجود جماعة حسن البنا في مقاعد الحكم، وكان يراها رافعة سوف تحمله وتحمل معالم مشروعه في أرجاء المنطقة، فلما سقط إخوان القاهرة سقط معهم المشروع الإردوغاني إلا قليلاً!
سقط مشروع الرجل بكل معالمه تقريباً مع سقوط «الإخوان» على يد المصريين في قاهرة المعز، ومن بعدها أصابه الجنون وفقد صوابه إلا بقية من أقل القليل، ولو أن أحداً جاء ليؤرخ لمسيرة إردوغان في السلطة منذ أن وصل إليها في 2002، فسوف يلاحظ بوضوح أن فيها خطاً بين إردوغان قبل سقوط جماعة البنا، وإردوغان بعد سقوط جماعة البنا، وأن سقوطها قد أسقطه أيضاً في الحقيقة!
لقد أسقطه سقوطها لأنه كان منذ بدايات القرن ينشط في تسويق المشروع للغرب، وكان يوهم هذا الغرب وخصوصاً الأميركيين، بأن المسلم المعتدل قادر على طرد المسلم المتطرف من الساحة، وأن الذين ينتمون إلى «الإخوان»، ثم إلى حزبه الإسلامي بالتالي، يمثلون هذا المسلم المعتدل، وأنهم قادرون على طرد الفكر المتشدد من المنطقة، فلا يقوى هذا الفكر ويتجه إلى مهاجمة الغرب على ملعبه!
كان هذا هو ما يصوره الرئيس التركي للأميركان خصوصاً وللغربيين عموماً، وكان يفعل ذلك منذ كان رئيساً للحكومة، وقبل أن يغير الدستور ويصبح رئيساً!
وقد صادف مَنْ يصدقه هناك في دوائر الحكم على ما يبدو، وكان موقف إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من كثير من الحكومات العربية، في أثناء ما يسمى الربيع العربي، دليلاً لا تخطئه العين على أن الفرضيات النظرية التي راح إردوغان يروّجها لدى تلك الدوائر، قد وجدت من يعتقد صوابها، ومن يتصور إمكانية توافقها مع الواقع الذي يعيشه الناس!
ولكن عام «الإخوان» في القاهرة كان كافياً لمراجعة الفكرة من أساسها، وكان كفيلاً بدفع عواصم في الغرب إلى إعادة تقييم المشروع في مجمله، وكان نقطة فاصلة في البحث عما إذا كان اعتدال المشروع الإخواني الذي روّج له إردوغان يمثل حقيقة عملية، أم أنه نوع من السراب الذي يظل المرء يطارده، ثم لا يستطيع الإمساك بشيء منه في يديه في آخر الطريق؟!
وكانت تفاصيل التجربة الإخوانية في الحكم طوال العام اليتيم، تقول إن الغرب الذي صدق إردوغان في مشروعه، كان يشتري بضاعة فاسدة، وكان يدفع في سلعة لا تستحق ولا تساوي، وكان يبارك ما لا تجوز مباركته ولا الموافقة عليه!
ومع ذلك، فإن العين المدققة فيما يجري حولنا في المنطقة، سوف تستطيع أن ترى أن واشنطن لم تبرأ كلياً بعد، من الاعتقاد في صواب ما عاشت الحكومة التركية الإردوغانية تروّج له وتبيعه، وكذلك الحال مع عواصم متفرقة في الغرب، وسوف تتكفل الأيام وحدها ببيان فساد هذا الاعتقاد وتداعي أركانه!
ولكن الغريب أن صاحب البضاعة نفسه، لا يريد أن يستوعب معنى سقوط حكم «الإخوان» بعد العام الوحيد، ولا يريد أن يستوعب أن هذه البضاعة إذا لم تكن صالحة للبيع بين أهلها في القاهرة، أو في دمشق، أو في بغداد، أو في غيرها من العواصم العربية، فلن تجد من يشتريها في ليبيا بالتأكيد، أو يدفع فيها قرشاً، فضلاً عن أن تجد من يشتري أو يدفع فيها خارج حدود المنطقة!
لا يريد أن يستوعب أن مشروعه قد يكون قد خدع بعض الناس لبعض الوقت، وأنه لن يستطيع خداع كل الناس كل الوقت، وأنه مشروع قد يكون قد لمع أمام العيون لبعض الوقت، ولكن سرعان ما تبين أن لمعانه ليس حقيقة، وأنه زائف كسراب الصحراء!
هو، إذن، مشروع سياسي ساقط بطبيعته، ليس لأن الخصوم الذين يقفون في مواجهته يتحاملون عليه، ولا لأنهم يغارون منه ومن نجاحه، ولا لأنهم يرون فيه من المزايا ما لا يجدون عندهم من المزايا ذاتها، ولا لشيء من هذا كله، ولكن لأنه مشروع سياسي يفتقد مقومات الحياة والبقاء!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشروع سياسي إردوغاني يفتقد مقومات الحياة مشروع سياسي إردوغاني يفتقد مقومات الحياة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya