بقلم : محمد أمين
رُبَّ ضارة نافعة.. فقد كشفت واقعة فصل طالب كلية التجارة بجامعة دمنهور أن المجتمع المصرى مازال ينبض بالحياة، وأن الحكومة تعمل لذلك ألف حساب.. ففى الوقت الذى انتفض فيه طلاب الجامعة، وانتفض فيه الرأى العام يطالب بعودة الطالب إلى كليته بين زملائه، كانت الحكومة أيضًا تسعى لعودته دون إعلان.. وقام الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى، بتكليف رئيس الجامعة، عبيد صالح، بالتحقيق العاجل فى القضية، وموافاته بتقرير عن الواقعة.. وتلقيت رسالة من الوزير تعليقًا على مقالى فى هذا الشان، قال فيها إنها «حالة فردية، وتم التعامل معها، ولا تعنى مصادرة الحريات فى الجامعات»!
وقال الوزير إن هذه الإجراءات تم اتخاذها لحظة العلم بها، وإنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية لضمان الحريات، فى ظل اللوائح والقوانين المنظمة لذلك، فشكرته وتفهمت الأمر.. وأرسل لى الوزير فيديو يشكر فيه الطالب مصطفى شعلان الرئيس والوزير ورئيس الجامعة، الذى تعامل معه بحنو كأنه أبوه.. فلم يوبخه أو يروعه كما توقع!
ومعناه أن الوزير لم يخضع لضغوط الرأى العام ولم ينتظر ضغوطًا، ولكنه تصرف فور انتشار خبر فصل الطالب، وإذا كان الرأى العام قد فزع، فإن الحكومة قد فزعت أيضًا.. وتصرفت وصحّحت الأوضاع فورًا!
وهو شىء، بالمناسبة، لا نجد غضاضة من الإشادة به، والثناء عليه.. لأن قضية الحريات ينبغى أن تظل حاضرة فى بؤرة شعور الحكومة، وهو شىء يسعدنا، ودفاعها عن حق الطالب أمر نؤيده، دون أن نسخر منه أو «نتريق» عليه، أو نرجعه إلى أى أمر من الأمور السياسية.. فالأصل أن الحكومة حامية لحريات الشعب ومدافعة عنها، وهى ملتزمة بالقوانين الصادرة لتنظيم حرية التعبير فى الجامعة!
وكنت قد كتبت عن «التفكير النقدى فى الجامعة»، وتساءلت كيف يقررون هذا المنهج ويحرمون الطلاب من التعبير عن أنفسهم؟.. وكيف أصبح التفكير النقدى جريمة، وكيف أصبح مجرد كتاب فى الجامعة، وليس أسلوب حياة؟!
وأشكر من جديد الدكتور خالد عبدالغفار لاهتمامه بالمتابعة، وسرعة اتخاذ القرار لإطفاء الحريق، ولست من الذين يشكرون فى الحارات ويثيرون الزوابع فى الميادين، فمازلت أؤمن بأن الصحافة للناس، ولسنا فى مواجهة مع الحكومة.. فالحكومة من الشعب، تسهر على راحته، وتحل مشاكله وتدرس قضاياه، وتتدخل فيها برفق فى إطار الدستور والقانون.. وهى لا تكسب بنطًا لصالح الطالب على حساب الجامعة.. وإنما هو درس لكى تكون القرارات رشيدة!
فلو أن الجامعة حرمت الطالب من حضور المحاضرات لمدة شهر، لما سمع بها أحد، مع أن الطالب مظلوم.. ولكنها تمطعت ورزعته قرارًا بالفصل عامًا من الجامعة، فانكشفت، وارْتَدَّ كيدها فى نحرها، وأصبحت عرضة للتجريس بالنفاق والمزايدة، فأنكرت الحكومة ذلك، وطلب الوزير تصحيح الأوضاع، وموافاته بتقرير عن ملابسات القضية، وكأنه يعاقب لجنة التحقيق، وأكثر من ذلك أنه طلب محاكمة اللجنة تأديبيًا!
سبحان الله، لقد وقعت اللجنة فى شر أعمالها، وأعماها الانتقام، وتمت إحالتها إلى المحاكمة التأديبية!.